حسن الحضري(عضو اتحاد كتاب مصر)
تُعَد اضطرابات طيف التوحد من الأمراض عسيرة العلاج، لذلك تختلف مناهج الأطباء في التعامل مع هذا النوع من أنواع المرض، وقد يحتاج العلاج الناجح إلى الجمع بين أكثر من منهج؛ بسبب طبيعة هذا المرض وتعدد أعراضه وتنوع تبِعاته، وقد أدى ذلك إلى ظهور مسارين يسيران جنبًا إلى جنبٍ في التعامل مع هذا المرض؛ المسار الأول يتجه إليه الهواة الذين يستغلون طبيعة هذا المرض وعدم وجود دواء محدد له حتى الآن، ويقومون بافتتاح مراكز للتخاطب وتعديل السلوك وتنمية المهارات والتكامل الحسي والحركي وغير ذلك من مسميَّات هي صحيحة في معناها لكن معظم القائمين عليها في هذه المراكز لا يعرفون عنها سوى الاسم فقط، وهدفهم الأول هو الحصول على المال.
أما المسار الثاني فهو التعامل الطبي الموافق للنظريات العلمية التي تتناول فلسفة هذا المرض من الناحية النفسية، وكذلك التي تتناول الجانب البيولوجي، وبطبيعة الحال لا يسلك هذا الاتجاه سوى المتخصصين من الأطباء النفسيين والباحثين المتمرسين الذين يجيدون التعامل مع النظريات العلمية المتعلقة بجوانب هذا النوع من المرض، وقد يجد الطبيب أن الحالة تستدعي سلوك عدة مناهج للعلاج في وقت واحدٍ كما سبق ذِكره، ومن أقوى المناهج التي يتعامل بها الأطباء النفسيون: المنهج النفسي والمنهج الوقائي، وتُعَد الدكتورة مها وائل شاهين الحاصلة على الدكتوراه في فلسفة طب نفسي الأطفال من جامعة عين شمس، من الأطباء المهرة الذين يدركون أهمية هذين المنهجين وضرورة الجمع بينهما في علاج اضطرابات التوحد، ولعل تخصصها العلمي الدقيق جعلها تلمُّ بخبايا هذا النوع من المرض، من خلال المنظار النفسي القائم على دراسة السلوك باعتبارها أفعالًا تصدر من المريض، وكذلك دراسة التكوين النفسي باعتباره مؤثرًا قويًّا في ذلك السلوك، إضافة إلى ما تمتاز به الدكتورة مها شاهين، على المستوى الشخصي؛ من غزارة العلم وسعة الاطلاع وحب الابتكار.
ويقوم المنهج النفسي على مراعاة ردود الفعل النفسية التي قد يبديها المريض نحو أي سلوك أو فعلٍ يصدر من المتعاملين معه، باعتبار أن مريض التوحد يكتسب ردود أفعاله من خلال تعاملات المحيطين به، وانطلاقًا من ذلك يمكن توجيهه إلى التعامل الصحيح مع كل موقف يمر به.
أما المنهج الوقائي فيقوم على التحصين النفسي ضد ممارسة السلوك المضطرب المتوقَّع من مريض التوحد، وذلك التحصين يتطلب مهارة الوالدين وكذلك مهارة أخصائي تعديل السلوك، في تطبيق النظريات السلوكية بشكل صحيح، وتوجيه مريض التوحد نجو اتجاه مضاد للأعراض التي يعاني منها في الواقع وكذلك التي يُتوقع أن يصاب بها إذا تم إهماله.
ويُعَد الجمع بين هذين المنهجين في علاج اضطرابات التوحد دليلًا على تفوق الطبيب المعالج، من الناحيتين العلمية والطبية معًا؛ لأن تطبيق هذين المنهجين تحديدًا واعتماد الطبيب عليهما لا يمكن أن يتم إلا إذا كان الطبيب على قدرٍ كبيرٍ من العلم والإحاطة بالنظريات النفسية والسلوكية، وقدرٍ كبيرٍ أيضًا من الخبرة العملية في تطبيقات هذه النظريات في العلاج والوقاية.
وقد يلجأ الطبيب بجانب ذلك إلى النصح بتناول بعض الأدوية الفعَّالة التي تساهم في التخفيف من حدَّة هذا المرض، لكن هذه الأدوية بمفردها لا تؤدي إلى النتيجة المطلوبة؛ نظرًا إلى عدم وجود أنواع محددة من الأدوية ذات المفعول الحاسم كما سبق ذِكره في بداية هذا المقال، ويبقى في النهاية التنبيه على أن اضطرابات التوحد تُعَد من الأمراض التي لا يصلح معها التجريب على سبيل الهواية؛ بل هي مرض له تشخيصه الطبي في الفحص، وأسلوبه العلمي في العلاج حسب مناهج الأطباء النفسيين والعلماء المختصين.