الواقع خارج الكواليس- بقلم الروائي محمد فتحي المقداد

لصحيفة آفاق حرة :
_______________

الواقع خارج الكواليس
قراءة على قصيدة (كواليس) للشاعر راكان المساعيد

بقلم/الروائي محمد فتحي المقداد

الأقنعة تخرج من خلف الكواليس على وجوه الممثلين محاولة تجميل الواقع بخداع المتفرجين. قصيدة كواليس على بساطة كلماتها؛ فإنّها تُلامس الوجدان والضمير الإنسانيّ بشكل عامّ؛ فهي حكايته التي لا تتوقّف ولا تنتهي مع تجدّد الأيّام.
الأقنعة لا تُقنع أبدًا، شعور دائم بخوف ما يختفي تحتها، وهو نقيض الوضوح الجلِيّ، وكأن مهمة الأقنعة الخداع المباشر للآخرين، ومحاولة تحسين القبيح وتسويقه.

*العنوان:
دلالة كلمة كواليس جمع لكلمة كالوس. المُتعارف عليه حيث أصبح مصطلحًا مُستخدَمًا على نطاق واسع، فيما يخصّ المؤامرات التي تُحاك وتُدبّر في الخفاء، في ظلام الأنفس المتآمرة التي تساوت في قذارتها مع ظلام الكواليس.
بالعودة إلى المُعجم اللّغوي لمعرفة المزيد عن هذه المُفردة: (كَواليس: (اسم) وفي الثقافة والفنون: أماكن على المسرح لا يراها المشاهدون، وإنّما يكون فيها الممثِّلون قبل ظهورهم على خشبة المسرح، عمِل وراء الكَواليس: عَمِل في الخفاء). هذا المفهوم اللغويّ الذي فهنا منه، أن الكواليس هي الممرّات خلف المنصّة، لتجهيز العرض، والمخرج يوزع تعليماته في تقاسم الأدوار؛ للتأكيد على الممثّلين بالانتباه لدقّة أدائهم لأدوارهم لإقناع المُشاهد وإغراقه في متعة عرض المشهد.
وأعتقد أنّ رؤية الشّاعر (راكان المساعيد) للواقع الاجتماعيّ، وتسليط الضوء على الخلل الحاصل في الحياة العامّة، عندما أشار إلى نقاط سوداء في النّفوس، انعكست سُلوكًا ظالمًا من الأقوى للمُسالم والأضعف.

*رؤية للقصيدة:
بالتوقّف إزاء العنوان للقصيدة بتكرار كلمة (كواليس) ثلاث مرّات، مقصود لترسيخ فكرة القصيدة الفريدة، والتنبيه لهذه الكلمة ذات الدلالة التي يُشار بها إلى نظريّة المُؤامرة الآخذة حيّزًا واسعًا في حياتنا الاجتماعيّة.

-المقطع الأول:
(كواليس كواليس كواليس// كذب وغش وتهليس// رخّصتي يا دنيا ناس// وغلّيتي إلّلي كان رخيص// كواليس كواليس كواليس). بساطة الألفاظ والكلمات جعلت من القصيدة قابلة للتلحين، بما تبثّ من موسيقاها الدّاخليّة لحنًا يُدغدغ نفوس المُستمعين، عندما انطلقت به حنجرة الفنّان (نجيب حداد)، وروعة أدائه حقيقة. هذا المقطع واضح أنّه لفت انتباه شديد (كواليس/كذب/غش/تهليس: من الهلوسة).

-المقطع الثاني:
هذا المقطع انتفل إلى حيّز الحارة الفضاء المكانيّ، بعد المقطع الأول الذي شّكل تساؤلات إشكاليّة في ذهن المستمع، وهنا ينتقل النص تفسيره المُبرّر: (نص الحاره شيوخ وروس// جيبتهم مليانه فلوس// بيستنونا نوطّي نبوس// شو بدنا نلحق تبويس// كواليس كواليس كواليس). انقلاب الأيّام.. تبدّل الأحوال، وهو مصداق قول الله تعالي في القرآن الكريم: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (140) آل عمران.
رغم أنّ القصيدة تراوحت كلماتها بين اللّغة الفصيحة والعاميّة، وجب توضيح بعض الكلمات منعًا لالتباس الفهم الدّقيق والمراد: (نص الحارة: النصف/ روس: رؤوس/بيستنونا: ينتظرونا/ نُوطّي: ننحني لتقبيل اليد أو الحذاء/ شو بدنا نُلحّق تبويس: ماذا عسانا نستطيع تقبيل).

-المقطع الثالث:
حكاية الألم لا تنتهي ولا تتوقّف، ظلم بلا حدود، وهو معاناة البشريّة منذ بدء الخليقة من الظلم والظالمين، رغم تعاليم الأديان السماويّة في تعزيز الحالة المُثلى من الصدق.. الأمانة.. الحب.. السّلم الاجتماعيّ.. بث الأمان بكافّة مُستوياته؛ لتنمو فضاءات الحياة تنعم بالحرية بنبذ كلّ أشكال الاستعباد: (كل يوم القصه بتنعاد// زرع وفلاح وحصاد// سرقوا البيدر ياعوّاد// الحراميه عبوا الكيس// كواليس كواليس كواليس). حالة الوصف فاضحة بقوّة أفعال الأقوياء المشينة في سرقة جهد ولقمة العيش لإخوتهم من أبناء مجتمعاتهم والإنسانيّة عمومًا.

-المقطع الرابع:
وكأنّ الاستضعاف تحوّل إلى حالة استسلام، وشبه تسليم مُقيم أوّلًا في النفوس كالقدر الإلهيّ، وعدم مقاومة الظلم بالطرق القانونية والسلمية، لاستخلاص الحقوق المنهوبة، واسترجاع الكرامة للإنسان عمومًا: (شو نحكي وشو بدنا نقول// اللي صاير مش معقول// مين اللي فينا مسؤول؟// غلطتنا ما عرفنا نقيس// كواليس كواليس كواليس). كما أن التخلّي الطوعي والخُلود للأمر الواقع والرّضا به، أغرى الانتهازيين في الذّهاب بغيّهم ورغباتهم في النهب والسيطرة.

-المقطع الخامس:
الخاتمة لم تتوقّف عن الهدف الأساسي للقصيدة عمومًا، بل ما زالت تُوضّح بالتفسير، وباللّسان العريض استكمالًا للمشهديّة السّوداء التي رصدتها المقاطع الخمسة بتفاصيل مثيرة لا يُمكن أن يصمت أمامها الشاعر (راكان المساعيد):
(الحاره خيار وفقوس// دولاب الدنيا معكوس// نتسابق مين اللي يدوس// عالثاني ويكون إبليس// كواليس كواليس كواليس).

القصيدة ضمن الدّراما الاجتماعية السوداء، ولا أراها بأبعادها جلدًا للذّات، بقدر ما هي رصد حقيقيّ لواقع يعاني من الخلل الوظيفي للأخلاق والقناعات الشخصيّة، والوسائل المُبرّرة للغايات المتستّرة خلف أقنعة الفضيلة، وقد حيكت خيوطها خلف الكواليس، هذه الكلمة المُتلازمة اعتبارًا من العنوان، لتنسحب على جميع مقاطع القصيدة، مما سيُرسّخها في عقل القارئ لها، وللمستمع للفنّان الأردنيّ (نجيب حداد).

عمان – الأردن
٧/١/٢٠٢١

About هشام شمسان

هشام سعيد شمسان أديب وكاتب يمني مهتم بالنقد الثقافي والأدبي ، ويكتب القصة القصيرة والشعر . له عددمن المؤلفات النقدية والسردية والشعرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!