بئر القشعريرة/ بقلم الشاعر والفنان التشكيلي محمد العامري
الشهادة الإبداعية التي قدمها الشاعر والفنان التشكيلي محمد العامري حول التجربة الابداعية للشاعر اللبناني الكبير شربل داغر .
دائما تكون قشعريرية النص سرية كما لو أنها مفاتيح لدفتر مليء بالأسرار والمفارقات ، متفرد في حبره وطريقة رقمه ، رقم أقرب إلى طلسم البدايات في تشكل القصيدة المليئة بالهواجس غير المعلنة ، أرى إلى شربل داغر بوصفه بئرا غامقة تحتاج إلى شفرة خاصة لفك عذريتها المتوالدة ، تلك العذرية التي جاءت كمرآة لطبائع الشاعر ، الذي ينزح نحو تفرده في البحث عن منطقة بكر في الكتابة ، فالكتابة البكر كد متواصل كوننا قصفنا بملايين القصائد الجميلة والرديئة على حد سواء ، فقد أعفى نفسه شربل بوعيه المتقدم من تلك العناصر والمناطق ليذهب إلى بئره العميقة مفتشا عن مناخاته الصعبة في النص الشعري ، فلم يأل بالا لطبيعة الذوقية العامة بل انتصر لذوقية نخبوية عميقة للتلذذ بتلك النصوص المشفوعة بالطبيعة وعمق المرئي والفلسفي . عرفته جادا فيما يذهب إليه في البحث البصري والقصيدة وصولا لتجاربه الهامة في الترجمة على رأسها كتاب رامبو ” العابر الهائل بنعال الريح ” . إنه الرائي بعينيين أقرب إلى ميكروسكوب يبحث عن جوهر الأشياء ، حاذفا الثرثرة من حجر القصيدة ، كنحات يقشر حجرا باحثا عن زمردة عبر الحت والنقب ، نقاب بأزاميل ماسية تنزح نحو روح اللغة والحركة في سكونية التكوين ، باحثا عن سر سحر الأشياء المتوارية في المرئي ، فهو الباحث في بصيرة القصيدة وقد اتخذ من بصائر الشعر مدارا لمنظاره ، فشعراء البصائر كالمعري وبشار وهوميروس ، هم من اضاؤوا لنا بصائر الشعر وعلمونا كيف للحساسيات الشعرية أن تكون في ظلمة البصر ونور البصيرة . مغامر في نبش المسكوت عنه في الكتابة ، تبش القصيدة الشفافة واشتباكها مع اللوحة والسينما والمسرح ايمانا منه بتشاكل تلك الفنون ، فهي المساقي التي تلتقي في مناخات الهواجس الإبداعية ، لا يعرف الوجل من شكل إبداعي بل يذهب إليه ليختبره اختبار العارف والمجازف للوصول إلى حقيقة الأشياء وتخييلها . فمن تتبعي لشربل أراه دائما يحاول انقاذ النص من الأسئلة الطفيلية ، ليعفيه من ضحية العبث في أسئلة الشكل على حساب الشعرية العالية ، ايمانا منه بامكانية انجاز الحفور المتجاوزة في تربة أرض الشعر بعيدا عن شجرة الأنساب وتوارثاتها المتكلسة كفعل مضاد للبويطيقيا ” التقبل “ ذاهبا باتجاه مشاركة المتلقي تلك المشاكسة وصولا إلى ترويضه لقبول الأشكال المغايرة للاعتياد دون الوقوع بالاجناسيات كأصول ثابتة في ذهنية المتلقي والكاتب على حد سواء . لم يقف هذا الكائن الاشكالي عند حدود الكتابة المعتادة ، بل اتخذ من اختبارات النص المدار الاساس لوجوده الابداعي ، فقد تشاكل مع الفن التشكيلي بتجارب مغامرة ومثيرة منها الغبطة في الكلام … المتعة في الرسم وتجربة ” شربل والعامري ” وتجربة تواشجات مجموعة من الفنانين ، ونرى في حديثه عن الزمن والشعر يقدم صدمة حقيقة في ضرورات خروج القصيدة من زمن التوريث والتأطير والخروج من المدحويات إلى القراءة التشاركية مع القارئ بعيدا عن هيجان الإلقاء المنبري ، أي نبذ الوظيفة التعبوية والاخلاص لتقطير الحساسية الجمالية داخل الذات القارئة . فكتابه ترانزيت الذي ينصت الى محكوكات النص مع الشاشة والبيرفومانس والعمل البصري لهو أكبر دليل على طبائع شربل في ارتكاب الكتاب كفعل مناكف بعيدا عن تكلسات الرؤيا الشائعة في الفعل الابداعي ، كما لو أنه يشير الى موضع غائر في عتمة النصوص الناجزة برخاوتها في كثير من الأحيان باحثا عن ما رشح من الجرة من قطرات وشهقات مشفوعة بخلود النص كحقيقة ، كفعل مضاد للكرنفاليات الشعرية . كان مغايرا يحاول أن يثير سؤالا معرفيا كبيرا في جسد الإبداع العربي .
شارك هذا الموضhttps://web.facebook.com/afaqhorra/aboutوع:https://www.pinterest.com/?autologin=true