دراسة في النثرية الشعرية (مطرٌ على خدِ الطين): الشاعر حسين السياب يغرد خارج السرب

بقلم: الناقد والشاعر العراقي  حيدر البرهان الحمداني

شرح النص:

1-البداية والخروج عن المألوف:

“من دونِ جناحٍ أغرِّدُ خارجَ السرب”:
يعبّر الشاعر هنا عن خروجه عن الجماعة وعن المألوف، وعن الواقع الذي يعيشه بحرقة، رغم افتقاده للأدوات الكاملة التي تساعده على خوض التحليق في مخيلته (الجناح). هذه الصورة تعكس رغبته في التعبير عن نفسه بشكل مختلف، حتى لو كان ذلك أمراً صعباً.
“توهّمتُ، وأُوهِمتُ أن الغيمَ صاحبي”: الشاعر يعيش في حالة من الوهم أو الخيال، حيث يتخيل أن الغيم (السحاب) رفيقه، أنها فكرة حالمة يريد منها الهروب والتخلص من واقعة، هذا يعكس شعوره بالوحدة والبحث عن رفيق.

2-الوحدة والاغتراب:

“وحيداً يقفُ بالمقلوب”: هذه الصورة تعكس حالة الشاعر النفسية، حيث يشعر بالانعزال والانقلاب على ذاته ونفسه، لا أحد يستطع العيش بالمقلوب؟ هنا اجد نفساً يقترب إلى غرائبية الحلم، وكأنه يريد ويتمنى أن يعيش في عالم مقلوب، وهنا أيضاً يبحث عن التغريب.
“بينما تتسرّبُ زمرُ الجنِّ من الشّطآنِ!”: الجن هنا قد ترمز إلى القوى الخفية أو الأوهام التي تسيطر على الشاعر، وتتسلل إلى عالمه، الجنِّ والشطآن، لا أرى علاقة بينهما، انه انزياح لغوي فقط، أو تشبيه مجازي.

3-الحنين والألم:

“يتلظّى دمي عواصفُ حنين تجتاحني”: الشاعر يعاني من ألم وحنين شديدين، وكأن دمائه تتأجج من شدة هذا الحنين.
“ثمةَ لحظاتٌ لا تنسى”: هنا يتذكر الشاعر لحظات من الماضي كانت مليئة بالراحة والأمان، ربما مع شخص عزيز.

4.الرمزية الدينية والأسطورية:

“على حافَّةِ القمر المنسيِّ أجلسُ”: القمر هنا قد يرمز إلى عالم الخيال أو الحلم، حيث يجلس الشاعر على حافته، وكأنه يعيش بين الواقع والخيال.
“أحنُّ للشتاء”: الشتاء قد يرمز إلى البرودة أو الموت، أو ربما إلى فترة من الزمن كانت مليئة بالهدوء.
“أطرِّزُ النجماتِ على خدّ الليلِ”: هذه الصورة تعكس جمالية الشاعر في التعامل مع الليل، وكأنه يزينه بالنجوم.
“الغافي على أسوارِ معبد ”إينانا”:
إينانا هي إلهة الحب والحرب في الأساطير السومرية، مما يعطي القصيدة بعداً أسطورياً.

5-الخلاص والبحث عن الأبدية:

“أتأمَّلُ القيامةَ على أبوابِ المتاهةِ”:
الشاعر يتأمل فكرة الخلاص أو القيامة، لكنه يقف أمام متاهة، مما يعكس حالة من الحيرة والبحث عن مخرج.
-“يمّمتُ وجهيَ شطرَ بابِ الأزل”: الشاعر يتجه نحو الأبدية، ربما بحثًا عن الخلاص أو الحقيقة، هنا الشاعر يدور حول نفسه أنه يريد الخلاص من واقعة والهرب إلى المجهول.

6-الخطايا والذنوب:

“فكِّي أبوابكِ الثّماني لنتقاسمَ الخطايا السّبعةَ”: هنا يبدو أن الشاعر يتحدث عن الخطايا السبع، وربما يريد أن يتقاسمها مع شخص آخر، مما يعكس شعوره بالذنب أو الرغبة في التطهير.
والخلاص أيضا

نقد وتفكيك النص:

1-الرمزية والأساطير:
الشاعر يستخدم الرموز الدينية والأسطورية بشكل مكثف في القصيدة، مما يعطيها عمقاً جمالياً ودينياً ، لابد للشاعر أن يوضح ويشرح وظيفتيها في النص اكثر، ليس مجرد إستخداماً لفظيًاً ورمزياً فقط.
استخدامه لمعبد إينانا والخطايا السبع يعكس اهتمامه وتأثره بالتراث الديني والأسطوري.

2-الوحدة والاغتراب:
الشاعر يعيش حالة من الاغتراب الذاتي والوحدة القسرية، حيث يشعر بأنه خارج السرب، ويعيش في عالم مقلوب. هذه الحالة النفسية تعكس واقع الشاعر الذي يعاني من الوحدة والمرض الحياتي اليومي في حياته، ليس مرضاً جسدياً وعضوياً، وانما جرحاً نفسياً عميقا نتيجة الحروب والقتل في واقع الحياة العراقية .

3-الحنين والألم:
الحنين هو أحد الموضوعات الرئيسية في القصيدة، حيث يعبر الشاعر عن ألمه وحنينه إلى الماضي، ربما إلى فترة كانت فيها الحياة أكثر سعادة واستقرارًا ربما.

4-اللغة الشعرية:
اللغة المستخدمة في القصيدة غنية بالصور والتشبيهات، مما يجعل القصيدة مليئة بالجماليات الشعرية. الشاعر يستخدم لغةً شعريةً قويةً تعكس حالته النفسية ورؤيته للعالم.

5-البحث عن الخلاص هو محور النص بشكل كامل ودائم:
الشاعر يبحث عن الخلاص أو الحقيقة، لكنه يقف أمام متاهة، مما يعكس حالة من الحيرة والبحث عن مخرج. هذا الموضوع يعكس رؤية الشاعر الفلسفية للحياة والموت.
الأمر طبيعيّ هنا لإن البلاد التي يعيش فيها تبحثُ عن الخلاص من الواقع الصعب المختل في المجتمع بكل تفاصيله اليومية.

تفكيك النص:

1-الذات والآخر:
الشاعر يعيش في صراع بين ذاته والعالم الخارجي. فهو يشعر بالوحدة والاغتراب، لكنه في نفس الوقت يتوق إلى الوجود مع الآخر (ربما الحبيب أو الصديق).

2-الزمن:
الزمن في القصيدة يتجلى في شكلين: الماضي (لحظات لا تنسى) والمستقبل (البحث عن الخلاص). الشاعر يعيش في حنين للماضي، لكنه يتطلع إلى المستقبل بحثًا عن الحقيقة.
وهو ما ذكرته سابقاً، الجميع لديهم هذه الفكرة المتكررة في المشهد العراقي من الشارع إلى المقهى…

3-الطبيعة:
الطبيعة في القصيدة (الغيم، القمر، الليل، المطر) ليست مجرد عناصر خارجية، بل هي انعكاس لحالة الشاعر النفسية. الطبيعة هنا تصبح مرآة لعواطف الشاعر.

4-الخطيئة والتطهير:
الخطايا السبع والذنوب تعكس رغبة الشاعر في التطهير أو الخلاص. ربما يشعر بالذنب تجاه شيء ما، ويريد أن يتقاسم هذا الشعور مع الآخر.
لكنها حالة عامة يشعر بها من يعيش في العراق بلد الأزمات السياسية والأخلاقية والإجتماعية.
الجميع يشعرون بالذنب، شعور يحمله الضحية من دون ارادته، لذلك الشعور بالذنب يلازم الجميع يومياً.

الخلاصة:
قصيدة “مطرٌ على خدِ الطين” للشاعر حسين السياب تعكس حالة نفسية عميقة، حيث يعيش الشاعر في حالة من الاغتراب والوحدة، ويبحث عن الخلاص أو الحقيقة. استخدام الرموز الدينية والأسطورية يعطي القصيدة عمقاً حقيقياً ودينيًا واقصد هنا ذكر الآله القديمة في بلاد سومر، بينما اللغة الشعرية الغنية بالصور والتشبيهات تجعلها مليئة بالجماليات. القصيدة تعكس رؤية الشاعر للحياة والموت، وتجسّد صراعه بين الذات والعالم الخارجي.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!