الدوافع تتباين من كاتب إلى آخر ومن قارئ إلى آخر.
هنا سنواظب على إحاطة أبعاد اللوغوس عبر النحت والموسيقا وجرأة الشامخين على خشبات المسارح…
النص الروائي الموسوم “الأرض أرضي.. محنة الأرض أم محنة الجيل” للروائي المغربي (العربي لَعرج) الذي كتب نصه هذا براية القيم وتحت أضواء هاربة من ضجيج العتمة للولوج إلى بؤر الطمأنينة التي من شأنها مدُّنا بما قد يُعيد الغبطة للحياة عن طريق الصدمات ذات المناخات المتنوعة.
ففي تداخل دافئ ما بين محاور إطفاء النسق في بؤر الكينونة المتوارية خلف مواسم ذات سياقات مُتباينة على شرف أنوار القناديل المهاجرة والشغوفة لرؤية أوراق الأشجار وهي تتابع على دروب الهزائم في نسيج مُركب ما بين حماقات التاريخ وغرائب الجغرافية.
كيف يُمكننا رؤية الأصابع التي تحجب عنا الضوء دون المساس بعذرية العتمة قُبيل المغيب.
هنا سنعبرُ مضائق اللهفة من خلال سدرة هذه الرواية الموسومة “الأرض أرضي.. محنة الأرض أم محنة الجيل” التي تأخذنا بأجوائها الراسية على شواطئ محيط الشغف الحاضن لأحلام نُزلاءِ مقاهي النحاسِ وصُناعِ القصدير المُعدِّ لتغليف بؤرِ السكينة لحمايتها من تفشي أشكالٍ متعددةٍ من الأنفلونزا الإسبانية.
هنا ثمة تساؤلات متضاربة تأتينا من ذاكرتنا المتشابكة الآنية ومن ذاكرتنا العميقة للعبور إلى ما وراء الماورائيات عبر مرتكزات في المتن الروائي تفرض علينا اختزال مفاتيح المتغيرات الناتجة عن الثورات العلمية في العالم المتحضر وارتداداتها على شرقنا المأزوم، فلكل منا سرديات موغلة بخيبات تمتد بنا من الجذور إلى لحظاتنا هذه، لها منابع تتغذى بدورها من حركة التاريخ ومن قوانين الطبيعة الصارمة.
الأرض بكل حصونها وقعت تحت مخالب التسونامي الهائج نتيجة الثورات العلمية في الغرب أي الجانب المظلم للحداثة.
يطرح الروائي العربي لعرج ظاهرة الشتات ما بين الأرض وأبنائها؛ فالعلاقة بدأت تفقد عمقها الروحي وتحولت إلى علاقة ميكانيكية.. الأبناء باتوا يطالبون الأرض بالمزيد من خيراتها دون أن ينتموا إليها حسياً؛ فالروح هي محور الارتكاز في متن العلاقة ما بين الأرض وأبنائها، ومنذ غياب أفول الحرب العالمية الثانية بدأت العلاقة تنعرج بديمومةٍ صوب الانكماش والترهل، ومع بداية الألفية الجديدة وانتشار الرقمنة في معظم بقاع المعمورة أخذت العلاقة منحى آخر؛ الأرض غارقة في يم الحنين والاشتياق، والأبناء باتوا يتعاملون مع أمهم الأرض بكثير من الجفاف والأنانية غير مدركين أهمية العطاء المُتبادل ما بينهما، وربما منابع قبول الآخر تنبع من الأرض التي تستقبل زوارها بدفء وتعانق أبناءها مهما كانت أخطاؤهم جسيمة.. بمجرد عودتهم تفيض المحبة وتتماهى روح الأرض مع أرواح أبنائها؛ فمن ترك أرضه كيف سيبني علاقاته على أسس متينة مع الآخر بكل شرائحه.
هنا يطرح الروائي المائز جملة من الإشكاليات التي نتجت عنها المحن وأرهقت كاهل الكائن البشري وسببت له عللاً نفسية قد يقف العلم حيالها مكتوف الأيدي وقد لا تمحوها الأيام.
الروائي المبدع الرصين يطرح الرواية عبر منظومة متكاملة بدءاً من العمق المعرفي والنظرة الجمالية المرتكزة على موروث أخلاقي مدعم بأنوال من اللغة الراشدة والمنبثقة من تأملات فلسفية مزودة باطلاع سيكولوجي على معظم الفنون.
لا أحبذ الغوص في تفاصيل النص الروائي كي لا أصادر الكثير من ذائقة المتلقي.
رواية الأرض أرضي..
وجبة فكرية جمالية أخلاقية تستدعي الاسترسال بالروح والغوص بأدق السيميائيات، فاللوغوس موزاييك ضارب في التشريح المُنهمر من نظرة ثاقبة للعالم.