رواية ( الخنفس) للروائي سمير محمد

كتب:كمال محمود علي اليماني

للروائي العزيز سمير محمد رواية بعنوان ( الخنفس ) أضافها إلى قائمة إصداراته الروائية التي ابتدأت برواية ( السلاحف العرجاء) ، ثم لحقتها رواية ( موكاسيتي) ، وهذه الرواية، وأعني بها ( الخنفس ) تعيد إلى أذهاننا قول القائل بأن التاريخ يكتبه اثنان : المؤرخ والروائي؛ فأما المؤرخ فإنه يتناول الأحداث والوقائع والشخصيات كما هي ، وفي ذات الزمان والمكان ، دون تخييل يُذكر ، وأما الروائي فإنه يعمد إلى موهبته التخييلة فيبتدع شخصيات ووقائع، كيفما شاءت له مخيلته ؛ فهو على هذا لايلتزم بالتاريخ بحذافيره ، ولكنه يصنع نسخة جديدة ، قد تكون مغايرة للرواية التاريخية ، لكنها تعكس رؤيته الفكرية ، وتعكس مراده من كتابة الرواية ، تماما كما فعل كثيرون من الكتاب الغربيين ، والعرب ، واليمنيين ومنهم إمبراطور الرواية اليمنية الروائي محمد الغربي عمران في رواياته ، ولعل روايته(مملكة الجواري) أكبر شاهد على صحة المقولة.
ورواية الخنفس أرادها الروائي سمير محمد أن تكون رواية تاريخية تخييلة ، فهو يستعرض الأحداث التي مرت بها عدن منذ ماقبيل الأستقلال وحتى يومنا الحالي .
وهي رواية تقف بأزاء ثنائية الريف والمدينة ، وتوضح من خلال أبطالها والأحداث التي جرت مياهها في ثنايا الرواية كيف أن القادمين من الريف كانت لهم مواقف ثلاثة مع المدينة عدن؛ فالأخ الأكبر حسن لم يستطع التأقلم مع المدينة ( عدن) ، ورأى فيها وسيلة من وسائل الإغواء والابتعاد عن القيم والمعتقدات الريفية التي تربى عليها ، ولهذا وقف من أخيه الأصغر حسين موقفا رافضا لسلوكياته المتأثرة بأبناء عدن ، والموقف الثاني كان لأخيه حسين – وهو البطل الأساس في الرواية – الذي سريعا ما تأقلم مع كل جديد رآه في عدن ، وراح يقلد أبناء عدن في سلوكياتهم وأفعالهم ، حتى أنه أطلق شعر رأسه فيما كان معروفاً آنذاك ب ( الخنفس).

لكن حسين هذا كان يحمل في روحه بذرة شيطانية ، ولذا فهو وإن أبدى موقفا حسناً من عدن إلا أنه سكب فيها كل قذارات روحه السيئة ، ولعل زواجه من ( أشجان) ذات الملامح العدنية ، والتي أراها معادلا رمزيا لعدن في الرواية ؛ قد دلل
بشكل جلي طبيعة نفسه الشيطانية التي اتجهت نحو استغلال زوجته أشجان في أعمال قذرة ، وذلك بعد أن خلصها من زوجها الأول ، وهي ضابط قدم من الريف هو أيضا وحاول التمازج مع عدن بأيسر الطرق ، وذلك من خلال زواجه بواحدة من بنات عدن ، لكنه وقد عجز عن التأقلم مع الحياة العدنية الجديدة لم يكتفِ بأن يتجه ذات الاتجاه السلبي غير الفاعل كما حدث مع حسن ، بل راح يتخذ موقفا سلبيا عنيفا ، وذلك من خلال إساءته معاملة زوجته ، وإخضاعها للضرب، ولعل في هذا إشارة إلى العلاقة السيئة التي ارتبط بها عسكريو الريف مع عدن / المدينة.
الرواية أدانت عددا من الممارسات التي شهدتها البلاد آنذاك، ومنها النفاق الديني الذي لجأ إليه بعض ممن لبسوا لباس ( المطاوعة ) الذي يذوذون عن الدين ، ويحفظونه من كل اعوجاج ، وهم في حقيقتهم أدوات لقيادات عسكرية فاسدة.
وأدانت المتسلقين الذين يلبسون لكل مناسبة ومرحلة لبوسها ، ويقتنصون الفرص في نزعة براجماتية نفعية واضحة بعيدة عن كل القيم الوطنية والإنسانية. وأدانت الصراعات التي شهدتها عدن بين رفاق الدرب الواحد ، وماآلت إليه من حرب طاحنة.
وهكذا نجد طي الرواية توثيقا تاريخيا لمرحلة مهمة مرت بها عدن تأسيسا ، والبلد برمتها بعد ذلك ، ولكنه توثيق روائي حمل الكثير من الأحداث والوقائع والشخصيات الحقيقية والمتخيلة في قالب ممتع ودافع للتساؤل والبحث عن حيثيات تلكم المرحلة ، لاسيما عند جمهرة الشباب الذين لم يعايشوها.
شكرا للروائي سمير محمد .. وإلى لقاء جديد مع رواية أخرى بإذن الله.

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!