بقلم: علي أحمد عبده قاسم
أولا النص :
(( اغتيالُ الشوقْ!
مُتعَبٌ هذا الصباحُ
أرهقتْهُ القُرفصاءُ
في رَصيفِ الإنتظارْ.
عبَثاً يَبحثُ
عنْ سِرِّ الغِيابْ،
ويُفتشُ
في غُموضِ الكلماتِ،
يَسألُ الأحْرُفَ:
مَْن يَغتالُ ومْضَ الشوقِ،
مَنْ يَنزعُ رِباطَ العهْدِ
مِنْ رُزنامةِ الليّلِ المُثيرْ.
فالمساءُ الآنَ مُتعَبٌ
لا نجومُ،
لا قَمَرْ،
لاعِشْقُ
لا أحلامْ!
الكُلُّ يَلهثُ في الفَراغْ،
والفراغُ يَليَ الفَراغ
فاتِحاً شدَقيهِ
يَلتهِمُ الأمانيَّ والفَرَحْ!،
يَبقىٰ السؤالُ مُعَذَباً
يَنوحُ في ذيّلِ السؤالْ:
هلْ يَصدأُ الحُبُّ ؟،
وكيفَ تَموتُ أزهارُ اللقاءْ؟!
ولماذا
يُورِقُ البُعْدُ
بأغصانِ الغِيابْ ؟؟
لاشيءَ مفهومٌ هُنا
غيرُ سؤاليَّ المصْلوبِ
في وَجَعِ الشِفاه:
(لِـمااااااااااااااااااذا)؟؟!!.))
ثانيا القراءة
إذا لم يعبر عن الشعر التجربة التي يعايشها الشاعر بصدق فني دقيق وعميق ومؤثر فإنه عبثية منظومة بتكلف لاتلفت القارئ ولا تؤثر فيه فالشعر عالم الروح والمشاعر العميقة وعالم الذات الإنسانية بمختلف تجاربها السعيدة والتعيسة والناحجة والتي أخفقت فالإبداع تعبير عن الهم الإنساني والذات والإنسانية لترسم أثرا في ذات القارئ والأجيال فالشعر إبداع وينطلق من الذات ومن المجتمع ليعبر تطلعاته وإخفقاته في شتى مناحي الحياة..
وإذا ما تأملنا عنوان القصيدة( اغتيال الشوق)
نلحظ بأن العنوان جاء تركيبا إضافيا من النكرة (اغتيال) وأضيف إلى المعرفة ( الشوق) والتركيب جاء تجريديا بين الحسي والمعنوي ليفتح آفاقا للتأويل من خلال التجسيد فالاغتيال بالاصطلاح القانوني( اغتيال شخصية بارزة لأسباب وبوسائل سرية.) وحين يغتال الشوق لكن اغتيال علني واغتيال للمشاعر والعواطف والتوق لأليف روح سواء بالتوق للحديث إليه أو التواصل معه أو رؤيته ..
فإضافة الحسي إلى المحسوس جعل العنوان مدهشا ولافتا ومثيرا بصورة مشهدية مؤثرة وملفتة( اغتيال الشوق) وكأن الشاعرة ترسم للمتلقي مأساة اغتيال العواطف والأماني والأحلام والتي كان يعول عليها الاستمرارية والبقاء .
ولأن العنوان نص مواز في النص فإنه يتناغم مع خطاب القصيدة ومضمونها ويتفاعل مع الدلالات العميقة لاسيما و(اغتيال الشوق) شكل صدمة وخيبة في الذات العميقة لاسيما وقد تحققت الخيبات بالصمت والفراق وانقطاع العلاقات والمحلات.
وحين وظفت الشاعرة الحسي للمعنوي استطاعت تخلق من خلال العنوان إثارة ولفت. .
وإذا تأملنا بداية القصيدة :
( متعب هذا الصباح
أرهقته القرفصاء
في رصيف الانتظار.)
وإذا تأملنا سطور المقطع نلحظ مشهدا متكاملا من خلال تصوير الصباح بأنه : ( متعب
أرهقته القرفصاء) فالمشهد يوحي بالقلق وعدم الراحة والحزن والتوتر والتعب والانتظار والصباح المفترض أن يدل على التفاؤل لكنه جاء كئيبا
لكنه مايزال في أعماق الذات بصيص أمل باللقاء من خلال( رصيف الانتظار) ليأتي المقطع الثاني ليقول:
( عبثا يبحث
عن سر الغياب
ويفتش في غموض الكلمات
يسأل الأحرف
من يغتال ومض الشوق.)
في سطور المقطع حوار مع الذات فكل ماتقوم به لافائدة منه وهو عمل عبثي لاعقلاني
فالغياب قد تحقق والتواصل انقطع فالعبث البحث والتنقيب عن الأسباب أو الذات والحلم المفقود ليأتي التساؤل موجعا( من يغتال ومض الشوق) والغرض مخاتل فإذا وجه للمتلقي فسياتي بغرض النفي أما إذا وجه للطرف للآخر فسيأتي بغرض العتاب وإذا ما توجه للذات فالعرض الحزن
والذات في حيرة موجعة ومن الحقل الدلالي للأفعال( يبحث ، يفتش يسأل) وتقابل بصدمة النتيجة ( سر الغياب، غموض الكلمات) فثمة تعب ووجع
ويأتي المقطع الثالث من النص ليتساءل بوجع عمن يمكن أن يكون في السبب في تلك الشتات والفراق والتمزق وصناعة الأوجاع وتغيير تسلسل الزمن وانتظام أوقات الروح:
( من ينزع رباط العهد
من رزنامة الليل المثير
فالسماء الآن متعب
لا قمر
لانجوم
لاعشق
لا أحلام .)
ومن خلال التساؤل الموجع ( من ينتزع رباط العهد .) وكأن الخطاب يقول من خلال الاستفهام: من حول وغير وبدل الشئ عن موضعه ؟ ومن هو الوفي ومن تسبب بالخذلان لاسيما وأن ( الرباط) كلمة مكثفة ذات دلالات متعددة لأن يشير للعلاقة والصلة والوشيجة والصير وحتى الارتباط بالزواج ويضيف إلى ( العهد) وهو: ( الموثق واليمين) ففي تركيب الخطاب إشارة للانحراف عماكان مقدسا بين الذات وذاتها والتي تكون حتى الوطن ويأتي ويتضح التساؤل بالتوضيح في: ( رزنامة الليل المثير) فإذا كانت الرزنامة: ( كتيب يبين الأوقات والأيام والشهور والمناسبات.) فإن هذا دلالة سطحية لتتحول الرزنامة إلى مجموعة مجموعة الأسرار التي خلقت بالروح عاليا ونقشت بالأعماق وانتزاع ذلك يعني هناك من صنع حلقة من وسلسلة مما أفضي انفصال السلسلة الواحد إلى صورتين متباعدتين ويتحول التسلسل إلى تبعثر ،( فتعب المساء) وصار كئيبا مظلما بلا ( قمر) روحي وحقيقي وبلا روح( بلا عشق) وبلا أماني ومستقبل( بلا أحلام) فما أضيق الحياة.!
وحتى الحذف يقدر ( لاقمر حاضر ) ومثل ذلك في بقية خطاب المقطع ليتحمل التساؤل غرضي العتاب والحزن والتحسر جراء ذلك التغير والتبدل مما أدى إلى نتيجة:
( الكل يلهث في الفراغ
والفراغ يلي الفراغ
فاتحا شدقيه
يلتهم الأماني
يبقي معذبا
ينوح في ذيل السؤال
هل يصدأ الحب
وكيف تموت أزهار اللقاء)
المقطع يظهر مقدار الأسى والوجع ( الكل يلهث في الفراغ ) فلا “حب ولا عشق ولاأحلام ” للروح والجسد معا فالفراغ فراغ وخواء عاطفي بحدوث( فجوة حين لايجد الإنسان من يفيض عليه حنانا وعطفا واهتماما) مما أفضى ألى الوحشة ( الفراغ يلي يلي الفراغ
فاتحا شدقيه
يلتهم الأماني) وحشة ووحشية من خلال الصورة( فاتحا شدقيه)
فقط ليقنات على الأحلام التي ولت بلا رجعة وتنتهي القصيدة بتساؤل ينم على الحزن والاستغراب لتحول وتغير الأرواح والأحوال والمشاعر( هل يصدأ الحب) ليشير إلى التغير والتحول الذي لايصدق.
ويمكن أن نلخص بعض فنيات النص الأسلوبية بما يلي:
– مزج الخطاب الشعري في النص مابين الخبر والإنشاء بمايتناسب مع مقام الخطاب والموقف التجربة التي يعيشها الشاعر وانحصرت أغراض الأساليب في ( الحزن التحسر، العتاب، الاستغراب والتعجب )
– إذا تأملنا الصورة فقد انزياحية ممتدة في كثير في المقاطع
– ( متعب هذا الصباح ) فهذه استعارة مكنية ويمتد فيها( أرهقته القرفصاء) وهذا الامتداد جاء بصورة مشهدية كاملة ولاتختلف في المقاطع الأخرى في ذلك الامتداد ( الفراغ يلي الفراغ) ثم يأتي بالامتداد ( فاتحا شدقيه) صورة مشهدية كاملة كلقطة في شاشة تلفاز ويمتد أكثر( يلتهم الأماني)
– جاءت بعض الصور إيحائية رمزية( هل يصدأ الحب) إشارة ورمز إلى التغير والتحول ومثلها( رزنامة الليل) إشارة ورمز إلى الأسرار والتحليق الروحي.
أما تأملنا موسيقى النص نلحظ أن:
– الموسيقى الداخلية تمثلت بالتكرار كتكرار بعض الحروف أبرزها( من ) والترادف( يفتش ويبحث ) وتكرار الأفعال المضارعة( يبحث . يسأل. يفتش وغيرها)
– أما الموسيقي الخارجية فقد وظفت الشاعرة تفعلتين تفعيلة الفعل السريع. ( فاعلات . فاعلات) ثم خرجت من السريع إلى الرجز( مستفعلن. مستفعلن)
وجاء اللغة عميقة مؤثرة ومكثفة.