قراءة في رواية .كأن شيئا لا يحدث

قراءة في رواية .كأن شيئا لا يحدث.

تأليف: منذر بدر حلوم.

اصدار: الدار العربية للعلوم ناشرون.

ط 1 ورقية . 2011

بقلم. أحمد العربي

 

آفاق حرة.

 

منذر بدر حلوم؛ روائي سوري، ومدرس جامعي، من الطائفة العلوية، هذه الرواية كتبت قبل الثورة السورية ربيع ٢٠١١م ، هي وغيرها مؤشرات عن وجود صوت معارض وناقد لما يفعله النظام في سوريا، خاصة في جبال الساحل وبين العلويين أرضا وناسا.
إنها روايته الثالثة، بعد سقط الأزرق من السماء، وأولاد سكيبه، راسما وبتفاصيل دقيقه صورة ريف الساحل السوري ومتغيراته في السنوات الأخيره.
في رواية تعتمد طريقة السرد على شكل لوحات حكاية، بطلها القرية وأهلها في رحلة الحياة والمتغيرات التي حصلت في العقود الأخيرة .

القرية تعيش تلقائيتها وكأنها من الأبد تسير بهذه الآلية، أناس يعيشون بريف عصي، يتعيشون من تينه وزيتونه وغلاله وحيواناته ركوبا وغذاء، وعلاقة مباشرة مع الإله الحاضر في كل شيء، ومن خلال المزارات، والانشغال بالاحداث الصغيره المعاشه يوميا، فهذا شيطانه ربه، وذاك يموت بعشقه، والأغلب يصنعون ألوهيتهم الصغيرة، وينزلونها اسماء اختاروها على زيتونهم الذي يمثل قوتهم المعاشي وخلودهم الروحي .
تدخل المتغيرات المعاصرة بطيئة إلى حياتهم، فالجد كان ممن ذهب إلى حرب فلسطين التي حضرت في الوجدان الاجتماعي، وجاءت الدراسة والمدارس، التي أصبحت معبرا إجباريا لكل ابناء القريه، وحضرت (كاترينا) السيارة التي أكدت تواصل هؤلاء البشر مع غيرهم في البلاد.
الناس هنا ممتلؤون بذواتهم، فالحب حاضر، والمراهقة، والخير، والشر، والله قريب منهم في طول الوقت، وعلى كل التلال، وان كان بغير رضى كامل عنه ؟!!. لأنه لم يستطع أن يغير من فقرهم وشقائهم شيء. كان هناك الأستاذ الذي بدأ ينمي وعي وعلم الأولاد إلى ما يتجاوز غرائزهم، وعالم أوسع من قريتهم الصغيرة وعالمها المغلق، في القرية المرأة حاضرة بقوه بصفتها الحبيبة، والأم، والمرأة المرغوبة، واللعوب، والضحية، والحاضنة للأسرة، وربها الحاني عليها؟!!، في القرية كل أصناف البشر؛ المعلم خيرا يسير على الأرض، والوحش (؟!!) الذي يربط ابنته مع البقره ستة أشهر في الزريبة، ويضرب زوجته إلى ما قبل الموت، ليقتله أولاده بعد ذلك دون تأنيب ضمير، ولتعزي القرية به، مع إقرار له بحقه أن يفعل بملكه ما يشاء ؟!!، في القرية الشيخ الورع، والشيوخ الوظيفة للأدوار الاجتماعية؛ كالموت والأعياد الكثيره وكل متغيرات الحياة .
المتغير الأهم في تلك البلاد وفي حياة الناس هناك؛ كان دخول العسكر على خط الحياة في القرية من مجيء اللجان العسكرية؛ للالتحاق بسرايا الدفاع، والأمن العسكري، وليبدأ اللون المموه يدخل حياة القرية بقوة الكلاشن (البارودة الروسية)، البدلة العسكرية، الذهاب بعيدا للمدينة عسكرا وضباطا، وليدخل الجيش للقرية وأسلحته الخضراء المصوبة للسماء، والتي تحتل حيزا من أخضر الأرض كمنطقة عسكرية، عنوانها : ممنوع الاقتراب والتصوير، ويقترن هذا مع وباء ترك الدراسة والالتحاق بالجيش، لوهم القوة والرجولة ووفرة المال، وصاحب هذا مجيء الغرباء لشراء أراضي القرية لضباطها، الحكام الجدد، الأرض المبعثره حولها في كل الاتجاهات، الكل يجب أن يبيع، بالترغيب أو الترهيب، فالأرض التي لا تباع، تصبح أرضا عسكرية مغلقة ممنوع اقتراب صاحبها منها، العسكر يملؤون فضاء القرية، وفضاء الحياة فيها، وأبناؤها عساكر وضباط، السلاح حاضر، تمجيد القائد؟!!، صناعة الولاء، الكل يتحرك على وقع عسكرة الحياة وتغليب لونها على كل شيء .
تنتهي الرواية عند مفصل مهم: المعلم يموت لتموت معه آمال، عرس لايحترم عزاء، سلاح يحضر في عرس ليقول لمن المستقبل، وعبادة قائد يتفاخر الكل بولاء اكبر له، اولاد قلائل يساقون للمعتقل لانهم لم يفهموا الحياة ؟!!. (فهناك معارضين للحكم)، أشجار الزيتون تقلع من الأرض، ليقلع معها أي أمل امام وباء العسكر الجارف.
الرواية كتبت قبل الربيع العربي تفسر جزئيا تصرف عسكر النظام الاستبدادي السوري، والرواية تلفت النظر أن النظام الاستبدادي السوري استثمر فقر وحاجة أغلب شباب العلويين وساقهم الى الجيش والامن، ليكونوا أدواته في السيطرة على الدولة والمجتمع، ولم تنجوا قراهم من طغيان الضباط وأبناء عائلة الحكم ، فسلبوا منهم أراضيهم وأولادهم  يقهروا الآخرين ويقهرونهم، ومن ثم بعد الربيع السوري وثورته، سيقتلون الشعب ويقتلون، ويخلقون جرحا وطنيا يصعب معالجته،  هم مماليك في مواجهة أهلهم  وكل الشعب، ولنعرف أن التخريب في إنساننا ومجتمعنا يحدث منذ زمن بعيد، وأن المطلوب منا لصناعة الشخصية السورية السوية، وبناء المجتمع وإعادة بناء سورية الكثير
هيا سويا إلى الحرية.

 

About محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!