هاشم خليل عبدالغني – الأردن
الشاعرة “ميساء الصح ” تؤشر في هذا العنوان إلى أن العروبة هوية جامعة … والدفاع عن الهوية يستلزم العمل والسعي إلى تأكيد الانتماء للأمة العربية قولاً وفعلاً كما أن الوحدة يترتب عليها التحرر والحرية والنهضة والتقدم ، جاء التمسك بالهوية العربية لدى الشاعرة قلباً وقالباً ، كردّة فعل طبيعية على كل المحاولات لطمس الهوية العربية في فلسطين المحتلة ، فهي تقول للشعب العربي في كل أقطاره : ” بأن الفلسطيني لا يفهم الإقليمية فلا مصلحة له بالإقليمية أو في مناكفة أي شعب عربي، وان هذه الإقليمية العربية ضد قضيته ، لذا ازداد تمسكا بفلسطين وبالعروبة .. ففلسطين قضية كل العرب ” .
شاعرة لا تهــادن العــدو ، وتعلن بكل فخر بأنها عربية الولاء والانتماء والملامح ، وتؤكد بـأن ملامح وجهها تكشف عـن شخصيتها العـربية المجبولة بطين الأرض فـهذا أمـر لا تهاون ولا تفريط فيه ، لأنه يرتقي لمرتبة القداسة .
عربية هذي أنا
وملامحُ الفلاحِ تعجنُ وَجنتَي
عربية هذي أنا
والأرضُ تاجي والسماءُ وسادَتي
والشرقُ داري والحروف هويتي
فالشاعرة ميساء الصح تتناول الاتجاه العروبي وتؤكده في قصيدتها من زوايا متعددة ، من أبرزها الإنجازات العربية في مجال التنمية في عصرنا الحديث ، فالنيل نهري وعلى ضفتيه أقيم أعظم سد عرفه تاريخ المنطقة ،فالسد العالي أول مشروع يتم تنفيذه داخل الحدود المصرية.
كــما تؤكد الشاعرة على عمق أصلها و انتمائها لــلأرض فجذورها مغروسة فــي أرض نمـت وتربت عــــليها ،رغم أن الـــوطن مستهــدف ، فبيتنا الحـجري البسيط الـذي بناه عمي مصطفى ، خير مجاهد ومقاتل ضد كل طـامع وهو أيضاً خـير مقاوم لكل متآمر يفكر ولو للمرة الأولى بـأن الــكرامة والنبـل يمكن ابتياعهما . أو أن الجيل العربي يمكن أن تسبي أردته وتؤسر ذاكرته و يطمس تاريخ أجداده ، فبيتنا الحجري المتواضع دليل على حقنا في هذه الأرض… أرض الآباء والأجداد .
عربية هذي أنا
والنيلُ نهري قد حَفَرتُ بسدِّهِ التاريخَ من عمرٍ مَضى
بيتي من الأحجار خيرُ مقاومِ
ضدَّ الذينَ يفكرونَ لوهلةٍ أن الكرامةَ تُشترى
أو أنهُ طفلُ العروبةِ يُستبى
بيتي بنتهُ كفَ عمي مُصطفى
هو دفتري سورٌ من الإسفلتِ يقرأهُ المشاةُ ِ
في مطلع كـل مقطع تأكــد” ميساء الـصح” عــلى انتمائها العربي… عربية أنـا هويت أرضي وتعـلق قلبي بها، وأحببتها حـباً شديداً من بداية تفتحي على الحياة إلى الممات ، كما تعتز الشاعرة بـعروبتها وبقـوة عزيمتها وبتصميمها الواعي فـهي كالنهر الذي لا يهتم لما يعترض طريقه من عوائق ، متأكدة
أنها تجري نحو غايتها بكل ثقة واطمئنان .
عربية هذي أنا
وعشقتُ أرضي من ربيعٍ للممات
عربيّةٌ وإرادتي كالنهرِ يجري واثقاً
لا لا يُبالي أي شوكٍ عالقٍ أو يستبي جوفَ البحار
إذ يقطفُ الصبرَ المغلفَ بالقنابلِ من عرينٍ للأسودِ وفي الشتاتْ
عربية نعم… أهدافي واضحة للتحرك في خطوات ثابتة على موقف لا يتغير أي (قدرة النفس عــلى الاحتفاظ بالنشاط الإراديّ الذي يتطلَّبه العمل الطويل ) . لأتمكن مــن الـوصـول لأهدافي وأحلامي … وتتساءل الشاعرة ، ما العمر ؟! أليست الحياة يوم لك ويوم عليك ؟! فـالحياة لا تدوم لأحدِ على حال.. هــي خليط بـين الشـدة واللـين والاجتـماع والفـرقة والنــجاح والفشل فهي أحوال تتبدل وتتغير بين الآمالِ والآم والحسراتِ فدوام الحالِ فيها من المحال…. تعلمت أن لكــل شيء ضريبة إما إيجابية أو سلبية ولكن تؤكد الشاعرة كلما اشتدت الأزمة تزداد قـوة وعــزيمة وصـفاء وتـزداد أيـضا تصـميما لتحـقيق الهدف المنشود وحباً للحياة .
عربية هذي أنا
وحزمتُ أغراضي بصبحٍ نحو عزمٍ والثباتْ
عربيةٌ وأقولُها ما العمرُ ما ؟ !
لا الشيبُ عيبٌ لا ولا حتى إذا مرَ الخريفُ فغيرَ الألوانَ بي
ازددتُ فيهِ نضارةً زدتُ الحياةْ
تشير ” ميساء الصح” إلـى بعـض السـمات الـتي تتصف بها كـــعـربيـة كـالكـرم والـبذل ، الـصـلابـة والـقـوة ، الـرقـة والشاعرية والجمال ،ولكني امرأة عفـيفة قــوية من الصعب ترويضها وشراء قرارها ومن الصعب سقوطها أمام المحن .. وتؤكـــد الشاعـرة أن من يحـاول اختبار صمــودها وصلابتها سيعــود عـاثرا مدحـورا خـائبا ويقــول: يـا ( ليت ) هنا تعني المستحيل .. أي ستندم .
عربية هذي أنا
أُعطي رَغيفَ الخبزِ للعصفورِ في عشِ اليمامْ
هذي أنا
حرَّاقة إني كزيتونٍ وزيتْ
مجبولةٌ إني بحناءٍ بموسيقى بأشعارٍ وبيتْ
قرصَ الشموسِ تخالُني
إذا ما أتيتَ لترتوي مِن نظرةٍ
لستُ التي سهلٌ قطافُ ثمارِها
لستُ التي سهلٌ شراءُ قرارِها
لستُ التي سهلٌ سقوطُ جِدارِها !!
إذ سوف ترجعُ خائباً وتقولُ ليتْ
وتتابع الشاعرة “ميساء الصح” تنـاول الاتجـاه العـروبي مـن زاويـة أخــرى … تـــاريخ العــلوم وإسهــامـات العــلماء العرب في الحفاظ عليه وتـقديمــه لـلإنسانيــة ،الــذين قامــوا بإنجازات عظيمة لا تزال باقية، ويعدون من أهم العلماء الذين اكتشفوا وأنجزوا في حقول المعرفة المختلفة ولم يـكن هناك من يفوقهم في أي أمة عاصرتهم. ، ومن أبرزهم: ابن سيناء وابن الهيثم وابن النفيس .
عربية هذي أنا
وعقالُ جدي باهظٌ
والسعرُ أغلى من ذهبْ
عمَّي ابنُ سينا التقيهُ في غدي
لا تعجبوا
هوَ فارسيٌ قد تنحى مرّةً من أجلنا
أما ابنُ هيثمَ جارُنا
ضاقَت عيوني مرةً فأتيتُهُ
داوى العيونَ ومُهجَتي
لمّا كَشَفتُ صَنيعَهُ ….. حالاً شكوتُ صبابَتي
من دونِ قصدٍ ينطَوي … قلبي انسكبْ
عربيةٌ هذي أنا
لا تسألوا ابنُ النفيسِ ومن يكونُ أيا تُرى
ابنُ النفيسِ جليسنا خيرُ الأقارِبِ والنسَبْ
وتواصل الشاعرة ميساء الصح تأكيد هويتها العربية الثقافية من خلال محورين : الفن السمعي .. والأدبي الشعري .
المحور الأول .. الفن السمعي والتي تتمثّل بالإيقاعات الموسيقيّة والأهازيج والأغاني والأناشيد ،.. فيروز ووديع الصافي نموذجاً ففي غنائهما حضور للحياة ، أي العشق مع الألم مع حالة ثورية فيها رغبة في التغير ، ففي الفن نرى ملمح الحياة ، من خلال ما قيل من شعر وغناء في الحب؛ حب الأرض ..
عربيةٌ هذي أنا
فيروزُ صبحٌ في الليالي مع وديعٍ نلتقي
شبابةً وعوداً وناياً والقطيعُ كغيمةٍ
جادتْ بفيضٍ من سَماءْ
تتابع الشاعرة الحديث عن تعلق الفلسطيني وارتباطه بأرضه من خلال حب والدها للأرض ، مبينة ذلك العشق الأزلي بين الفلاح والأرض حيث انه يحرثها ويزرعها ويحصدها ويعتني بها عناية الأب بابنه… رغم المكابدة والعناء .
عربيةٌ هذي أنا
أما أبي فذراعهُ مغموسةٌ بالطينِ جيلاً مثقلاً
آهٍ على عمرٍ مضى
أمضيت فيه تمنياً لو أنني أحصي تجاعيداً
تَرامت كي تُداري جُوعَنا
أو كي تدفئَ بردَنا ذاك المساءْ
المحور الثاني : الفن الشعري .
تؤكد ميساء الصح على عمق انتمائها العربي من خلال الثقافة التي نشـأت فـي المنطقة العـربية ، فـالثقافة محور استقطــاب يجـمع أُمَّـتنا وخـاصة الشعـر … فـأشارت لقـصيدة السياب جيكور هذه القصيدة الشعرية الرائعة والتي يعبر فيها الشاعر عن رؤيته الخاصة تجاه قريته جيكور ، وهي مأخوذة من ديوان الشاعر ( أنشودة المطر).
كما أشارت للشاعر الكبير احمد شوقي وعاطفته الوطنية الصادقة في حب وطنه مصر أم الدنيا .
كما أكدت الشاعرة أن لا فرق بين المبدعين العرب فكلهم يثير الإعجاب ويشد الانتباه ، فكلهم تعلقت بهم قلوبنا و لهم الحب الشديد في حقل صناعة الأدب ، لا فرق بينهم .
سيّان عندي كذا وكذا : لا فرق بينهما
جيكور في وسطِ القصيدةِ ترتمي
قد ساقَها السيابُ في وقتِ الغسقْ
شوقي يُنادي ما أُحيلى مصرَ يا أمّ الدُنا
لا تسألوني من أفضلُ من روائع من تبقى في الحنايا أو سبق
إني عشقتُ الكلَ في حقلٍ الأدب
وقطفتُ تيناً من بلادي بعد جنيٍ للعِنَبْ
سيان عندي بين ماسِ أو ذهب
سيان عندي من يجيءُ ومن ذهب
وتواصل الشاعرة “ميساء الصح “تأكيد هويتها العربية مـــن خــلال أصـولهـا الـعريقـة الـتي تشـبـه الحبق بــرائحـتها الذكية ودمنا واحد ، وتعلن الشاعرة بـكل قــوة وتصميم بأنـها لا تـكترث ولا تــهتم مــن عـــدو أثيــم ، طـالـما أنـهـا تسـعـى لتحـقـيق هـدف نبــيل مـقدس ، فـأمام هــذا التصميم تزول كـل العوائق وتتلاشى .
من أسلحة الشاعــرة لمقاومة العدو، الفكر النير والثوابت الأصلية ، التي تستمدها من عدالة قضيتها وصمود شعبها .
عربيةٌ هذي أنا وجذور اسمي من حبق
هذا دمي يسري بكم
يسري بأنسي تحلى بالمَدائحِ والخُلُقْ
لا لا أبالي من عدوٍ حينَ اقصدُ غاية
كل الحواجز تختفي مثل الورق
أما سلاحي فِكرةٌ استلًّها والغمدُ من حضنِ الشفق
تقول” ميساء الصح ” أتمنى أن لا تصيبكم الدهشة مما سأقوله لكم ، فـقد طفـت الـبلاد عـرضا وطولا ، فيـها نسـاء عذارى عفيفات هــن لسن كـمريم ولكنهن عفيفات صالحات نشأن على الفضيلة ومكارم الأخلاق ، والعمل المنتج .
عربيةٌ هذي أنا
لا تعجبوا كلَّ الصحاري جبتُها
فيها العذارى يرتمينَ بوسطِها
ليسوا بمريمَ إنَّما كم أكثروا مِنها الرطَبْ
من مثل أمتنا العربية ، أمة الأمن والسلام، رائدة الحكمة ومشعل الثقافة والحـضارة ومعقـل الإنسـانية برسـالتها الإنسـانـية السامـية ،أمتنا تمتلك أعظم ثروة من الإيمان ،تستطيع بها أن تعيد للإنسانية اعتبارها .
كما تنفي الشاعرة عن أمتها الضعف والتخلف وتراجع النمو في مختلف الحقول العلمية والفكرية . وأن عددهم كالرمال بلا فاعلية ، فترد الشاعرة كل ادعاءات وحيل أعداء الوطن كاذبة ومضللة. مصيرها الزوال والتلاشي .
لا زلت مُحتاراُ تراك بأصلها
لا لا تقولوا أنّهُ عددُ الرمالِ شبيهُها
كلُّ الأقاويلِ التي في كيدكمْ
هذي ادَعاءات كَذبْ
سرعانَ ما نحوَ الزوالِ مصيرها كالنارِ شبَّت بالحطب
وتختم الشاعرة قصيدتها الرائعة ، بالتغني بأصالتها ومتانة جـذورها التاريـخـية ، وتعــلـن بـكـل فـخـر بأنها فلسطينـية الأصـل والعــروبة أصلـها ، فــالعرب أمــة مجـيدة ، لـهم منـاقب فـريدة تميزهم عن غيرهم من الأمم فــهم أي الـعرب قـوم يرفـضون الدنية والمذلة ..
عربيةٌ هذي أنا
وَعِقالُ جدّي باهظٌ
والسعرُ أغلى من ذهبْ
مما تقدم يتبين أن الشاعرة ميساء الصح ، مسكونة بالحنين لــلقومية الـعربية والـرومانسية الوطنية مـــع تـركيزها عــلى الــقــيم الروحية والتنويرية ، وتـذكرنا بــأن الفــلسطينـيين عــرب، وأنهـم سيظلوا موجودين على هذه الأرض حتى تعود الحقوق لأصحابها.
كـما نــلاحظ ارتـباط الشـاعرة بالتراث العـربي الــحديث والـقــديم: التاريخي والأدبي وهــذه ظاهرة مميزة لقصيدتها عربية هذي أنا .
القصيدة بعيدة عن التعقيدات اللغويّة والشعارات، أسـلوبها مـشــوق ولـغتها انسيابيّة سلسـة، وتــذكرنا بــما قـاله تشارلز بوكوفسكي: “العبقريّة قــد تكون القدرة على قول شيءعميق بأسلوب بسيط “