كتب الأديب رائد العمري. إطلالة حول الموروث التربوي في كتاب إذا أينع الخاطر

لآفاق حرة

 

إطلالة حولَ الموروث التربوي والاجتماعي في كتاب “إذا أينع الخاطر” لمؤلفِ د. تيسير السعيدين.

بقلم الأديب. رائد العمري. الأردن.

إن الناظرَ في كتاب “إذا أينعَ الخاطر” للمربي الفاضل والكاتب الملتزم د. تيسير السعيدين سيجدُ نفسهُ أمامَ مثقفٍ حصيفٍ لديهِ موفور من المخزون اللغوي والثقافة التربوية والأدبية والتي وظَّفها جميعًها في نصوصهِ في هذا الكتاب المنوَّعِ بينَ الخاطرة والموعظة والسرد القصصي والرسالة الموجهة والمقالة مستندًا على معرفتهِ في أسبار اللغةِ وشواهدها الشعرية والأمثالِ الشعبيةِ المتداولةِ على ألسنةِ العامة وتخدمُ فكرتَهُ التي يبثها في نصوصه، والتي في مجملها تعالجُ قضايا مجتمعهِ وأمتهِ، كما لا تخلو من جمالياتِ الوصفِ المُتقنِ المدهشِ في كثيرٍ من تلكَ النصوص التي تجعلُكَ تنتقلُ من خلالها لما تعايشهُ ذاتُكَ او تراهُ فيمن حولَكَ، فالكاتِبُ أرادَ أن يسيرَ في نهجهِ على ما ينفعُ الناسَ، ويهذِّبُ طباعهم، ويوقظهم عن غفلةٍ هنا، او عن عادةٍ سلبية هناكَ، وما يقومُ بهِ البعضُ من سلبياتّ يحاولونَ تبريرها وإيجادَ مسوغاتها كالمحسوبية، واستغلالِ المناصبِ، والعنجهيةِ والتعالي عندَ البعضِ، كما يحاولُ أن ينتقدَ مجتمَعهُ وصولًا إلى المدينةِ الفاضلةِ التي يريدها لنفسهِ ولمجتمعهِ بالأكملِ..

 

وبما أنَّ الكاتبَ قد خدمَ في التربيةِ والتعليمِ والتعليمِ الأكاديمي، إضافةً إلى أنهُ ابنُ ريفّ محافظّ فقد انعكسَ هذا في توجيهاتهِ من خلال ما جالَ في خاطرهِ، ووثقّهُ في هذه النصوص فقد بدأ نصوصهَ بالنصوصِ التي عكسَت واقعَ المدارسِ بكلِّ عناصرها من طلبةٍ ومعلمينَ وقياديينَ ومستخدمينَ وعاداتهم قديما وحديثا بعقدِ عدةِ مقارناتٍ بينَ ما كانت عليه وما آلت له الأنَ في واقعنا المُعاشِ، وكيفيةِ التربيةِ بالردعِ الاجتماعي، ثمّ لينتقلَ للحياةِ العامةِ ببنَ الأصالةِ والأطلالِ التي يقفُ على أعتابها مستندا لحكمِ المجربينَ ثمّ ليعكسَ الواقعَ ورتابةِ الحياة المعاصرة وبعضِ سلبياتِ النفسِ البشرية والبحثِ عن المظاهرِ بدلا عن الجوهرِ، ثمَّ لينتقلَ لقضيةِ المؤامرةِ ناقدا للسياسةِ المعمولِ بها من لدن البعض، مُعرجا إلى اوجاعِ الناسِ وبؤسهم، وتقوقعِ البعضِ على قديمهِ دونَ ان يلاحقَ التطورَ من حولهِ مما يجعلُ البؤسَ نصيبهُ، فيبقى يشكو المحنَ ولا يعترفُ بالمنحِ، ويعلمنا في أدبياتِ الحوارِ والردِّ، منتقدا لمن لا يسمعُ للآخرِ في حوارً الطرشانِ كما يصفهُ، ثمَّ ليعرِْجَ نحوَ الإملً على وقعِ نسائم الربيعِ دونَ إفراطّ او تفريط، ومن غيرِ أن يُخزِنَ الإنسانُ السلبية والحزن، ثمَّ ينتقدُ نكرانَ البعضِ للمعروفِ، او سذاجةِ البعضِ في تناقلِ رسائلَ لا تمتُ للحقيقةِ بشيء وخاصة في وسائل التواصلِ الاجتماعي، ثمَّ ليأخذنا في مشهدٍ بحري مع تجربةِ النوارسِ وإرادتها القويةفي خلقِ الألفةِ وقبولِ التنوعِ، والتعاملِ بالمنطقِ بدلا من الترهاتِ، طالبًا منا التأملَ في محطاتِ الفرحِ والسعادةِ في هذهِ الحياةِ، وعدم إصدارِ أحكامٍ عامةٍ على الآخرينَ دون دليل مقنع، ويضربِ لنا العديدَ من المواقفِ المتناظرة لنأخذَ العظةَ فيها بكلّ إرادة، محذرا من سرقةِ جهدِ الآخرينَ، متمسكًا بالفضيلةِ والفطرةِ التي فطرنا الله عليها، ويعرجُ إلى الحنينِ والحبّ الذي جعلَ له هندسةً يجبُ على واحدنا تعلمها وتنظيمها لتستقيمَ حياته، دونَ أن نكونَ بنظرةٍ أحادية، مستشهدا بحديثِ الجداتِ ومورثنا الشعبي في علاجِ اللؤمِ والتخلفِ، ملينا للطباعِ، ومُتَّبعا لمنظومةٍ قيميةٍ سامية. ثمَّ ليعودَ بنا إلى الأدب ويذكرَ المتنبي وهلاكهُ ومدرستهُ الشعرية التي عشقها، وينتقلُ للتأسفِ الحقيقي لا الضحكُ على الذقونِ كما يصفهُ، وعدم أخذِ الآخرين بجريرةِ أحدهم مستشهدا بحديثٍ نبوي فكاتبنا يحملُ الموروثَ الديني الذي يستندُ عليهِ أيضا ويشمئزِّ من المواقفِ الرمادية…

 

هكذا تجولَ بنا الكاتبُ المثقفُ د. تيسير السعيدين في نصوصِ كتابهِ والتي لا مجالَ لإفسادِ كلِّ ما جاءَ فيها من خلالِ إطلالةٍ أشبَهُ ما تكونُ بالانطباعيةِ المدهشةِ، ولن أزطدَ على ذلكَ إلا ان أقولَ إنَّ هذا الكتابَ يليقُ بأن يكونُ جمهورَهُ كل فئاتِ المجتمعِ دونَ استثناء مهما كانت أعمارهم او ثقافتهم أو مرجعياتهم؛ فهو كتابٌ فيهِ من الفائدةِ الغنيةِ بالمتعةِ بأسلوبّ شيِّقٍ ومنوع..

 

 

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!