بقلم / لالة مالكة العلوي
….
القراءة الشعرية للدواخل هي مغامرة جمالية إيتيقية قبل أن تكون شرطا معرفيا. تلكم الدلالة الكامنة وراء ارتشافي بعضا من كاسات الشعر في تجربة البهية آمال هدازي. كأني أعيد ترميم الرؤية من خلال احتضان بعض من هواجس الكتابة وأسئلة الحياة.
لا بد وأن لهذه الدلالة ما يؤرخ للحظة التسامي والتصافي تحت ظلال شجر الشعر، ويزيد من سمو وصفاء هذا الزمن المتعالي تحت ضياء الأيقونة المعمارية رياض الشريفة، وجودكم معنا ومشاركتكم إيانا لحظات الاحتفاء بتجربة الشاعرة آمال هدازي.
إن توثيق لحظة هذا الاحتفاء ضمن برنامج عناية الثقافي لهذه السنة، نابع من كوننا نثير قضايا الشعرية المغربية على أفق أرحب، وضمن تحولات بُنى التقاطع التي شهدتها النقدانية المغربية والعربية، على حد سواء طيلة عقود من التجريب والتشاكل في الكتابة الشعرية الحديثة. وليس من العقل في شيء أن نترك الحبل على الغارب كما يقال، ولا النظر في المآلات التي ستؤول إليها منطقيات النقد والدراسات الأدبية المنكبة على قراءة تلكم التحولات في الأنساق الشعرية دونما اعتبار لدور التجمعات الثقافية والأدبية في النبش والتصدي للإخوانية الأدبية والزبونية المقنعة.
وَتِلْكُمُ جانب مهم من غاية إدراج برامجَ من هذا النوع ضمن اختيارات مركز عناية، والبقية يمكن تقديمها انطلاقا من رؤيتنا للعمل وطريقة تعاطينا مع قضايا أدبية تضجُّ بعلاقات قوية واختلالات مدججة بالكثير من أسئلة الراهن الثقافي.
إن استحضار هذا الهاجس اليوم، من خلال التأكيد على منجزنا النظري الاعتباري، هو تحفيز للدارسين والمهتمين على البحث الجِدِّيّ والتمحيص الصادق عن تجاربَ أدبية تُغْني وتُؤسس وتَبْني وتُراكم، وهو ما نفعله في مثل هذه اللحظات الجميلة التي نلتقي فيها ومن خلالها على الاحتفاء بتجارب عميقة ومُشِعَّة، وما ارتقاؤنا جوهرة الفُرادة الشعرية آمال هدازي سوى انعكاس لقبضنا على الجمر.
اليوم، نقدم لجمهور مراكشَ وجها مشرقا في كاريزما القول الشعري المغربي الممشوق بنون النسوة : الشاعرة آمال هدازي، واحدة من القلائل اللائي يمزجن في الكتابة الشعرية بين لغة الضاد ولغة موليير، كاتبة تشهق وردة وهذيلا وهمس خطايا… جاءت دواوينها الصادرة خارج الكرة الشعرية الأرضية المغربية.. مذعورة بنصيب غائر من البوح واسترقاء الذات.
ولأنها مهووسة بِلُذاذات الأدب الغربي، قراءة وإبداعاً، وملموسةُ باستنفار حواس الفن السابع وأبي الفنون، فإن كتاباتها منسوجة على خفقان التربص والفوران ضدا على الأبوية الكتابية الغَضوب الغَصوب.. تُراهن على تفكيك المقدس وتحويل الصمت إلى آلة زمنية متناثرة ..
سنستمتع اليوم بضجة الانكتاب على كل واجهات الشعر… من التأملات إلى البيانات، إلى جوامع القول.. وأحيانا نَدُسُّ رؤوسنا في الساقية، فنجد مناشرتا القلبية مُبلَّلةً بِكَمٍّ هائلٍ من الخواطر المدللة كالعابد الناسكِ الذي يصف حالته الصوفية في مجموعة شاعرتنا الشعرية : ( نكاية بالعتمة )
هو ذاك الجسد
المبحوح بالصمت
يُجرد معطفه
يُطعِمه للريح
يكسو شغفه الميت
على ضفاف قلب مكسور
وصدر مُطرَّزٍ باللهفة
هو ذاك النبض
عالق بالحُنجرة
والْخِنجر فَمُ الأحجية ..
……………………….
* شاعرة وباحثة مغربية
– الكلمة التي ألقيت بمناسبة احتفاء مركز عناية الثقافي بمراكش بتجربة الشاعرة أمال هدازي يوم الأربعاء 10 أبريل 2019