لصحيفة آفاق حرة:
قراءة في رواية: طوق في عنقي.
الكاتبة : ابتسام شاكوش.
الناشر: كتاب سراي.
ط١، ورقية ٢٠٢٠م.
بقلم. أحمد العربي. سوريا
ابتسام شاكوش كاتبة سورية، لها العديد من المجموعات القصصية والروايات. حاصلة على عدد من الجوائز الأدبية لأعمالها الروائية والقصصية، تنتمي للثورة السورية.
طوق في عمقي رواية أقرب للسيرة الذاتية، تتحدث الكاتبة فيها بلغة المتكلم عن نفسها وما عاشته ابان الثورة السورية. فهي من قرية قريبة من مدينة الحفّة الساحلية السورية.
تبدأ أحداث الرواية من وجود الكاتبة في مدينة غازي عينتاب التركية، حيث تخاطب تمثالا في حديقة عامة، يتراءى لها دمعة حجرية على عينه. تقارنه بنفسها، حيث قام الشعب السوري بثورته، خرج الشعب متحديا النظام مطالبا بالحرية والكرامة والعدالة، مواجها آلة القمع والاستبداد والقهر والاستغلال والتمييز الطائفي، مضحيا بالغالي والرخيص في مواجهة هذا النظام المجرم القاتل، الذي لم يرحم الشعب، واجهه بالسلاح الثقيل والطيران والاعتقال والسجن والقتل العشوائي في مجازر موزعة على المدن والبلدات السورية. لم يستطع الناس الصمود أمام آلة موت النظام التي تحصد أرواح السوريين نساء واطفال وكهول، لا ترحم أحدا. لذلك هرب أغلب السوريين الى خارج سوريا، الى دول الجوار، وبما أن مدينة الحفّة وقرية الكاتبة محاذية لتركيا فقد توجهت مع الكثيرين الى هناك. حيث بدأت بالبحث عن اهلها واخوتها الذين تشتتوا وضاعوا عن بعضهم. لم تدري من هرب ومن بقي ومن مات وأصيب من القصف واجتياح النظام للقرية.
بدأت ابتسام رحلتها بالبحث عن أهلها، تستوقفها الوقائع التي عاشتها، مقترنا ذلك مع استرجاع نفسي و حوارات داخل ذاتها عمّا عاشته هي وما عاشته سوريا وعاشه السوريين، ضمن تداخل ناجح بين الذاتي والعام المتعلق بسوريا وشعبها والنظام القمعي فيها.
بدأت ابتسام بالتنقل بين المدن التركية المحاذية لسوريا بحثا عن أهلها، غازي عنتاب وأورفة ورأس العين التركية و الريحانية وانطاكية… تلتقي ببعض أهلها، بعضهم مصاب، وتلتقي ببعض أهل بلدها. تعرف ان اغلب شباب البلدة مرابطون على الجبهات في مواجهتهم للنظام. علمت أن والدها، الكبير بالسن خرج بعض الوقت من البلدة، لكنه عاد إليها لم يستطع مغادرة مركز حياته السابقة، تواصلت معه بعد عناء، وعلمت منه أنه يمر بأحوال صعبة جدا. البلدة محاصرة من جنود النظام، وتفتقر للمواد الغذائية، لقد اشتكى لابنته أنه جائع… هكذا فعل النظام قتل واعتقل من الشعب السوري وشرّد الأغلب، ومن بقي من الكهول تركهم للجوع والنهب والظلم الدائم.
تتحدث ابتسام بإسهاب عن احتضان الأتراك للسوريين الهاربين من الموت المحيط بهم في بلادهم. تتحدث عن عائلات كثيرة، فتحت بيوتها للاجئين السوريين، هذا غير الجمعيات الخيرية، وكذلك المستشفيات ومراكز العلاج للمصابين و لفاقدي الاطراف، من ضحايا قصف النظام أو المصابين في جبهات القتال ضده. النظام الذي استعان بإيران وروسيا والمليشيا الطائفية ضد الشعب السوري.
تعود ابتسام بذاكرتها الى ثورات الشعب السوري المتعاقبة ضد النظام وعصابته، منذ الستينات من القرن الماضي حيث واجه الشعب سلطة البعث التي ادّعت أنها قومية عربية، لكنها كانت طائفية بعمقها، سرعان ما ظهر ذلك للعلن بعد انقلاب عام ١٩٧٠م. وذكرت أيضا ما أسمته ثورة الشعب السوري في أوائل ثمانينات القرن الماضي حيث تحرك الإسلاميين بتنوعهم، وكذلك الأحزاب الوطنية الديمقراطية والنقابات المهنية المعارضة للنظام. ورد النظام الوحشي عليها، الذي قتل فيها عشرات الآلاف من السوريين على امتداد الخارطة السورية.
أرادت ابتسام تأكيد إصرار الشعب السوري على استرداد حقوقه واسقاط النظام المستبد الظالم، وأنه في كل مرة يقوم مجددا، غير ناس ما قدّمه من تضحيات ومصرّ على تحقيق الهدف مهما قدّم من تضحيات جديدة.
استغرقت إبتسام بالحديث في متابعة الذي عاشته في تنقلاتها داخل تركيا، مادحة الأتراك واحتضانهم للسوريين. ومذكرة بالعلاقة التاريخية بيننا نحن السوريين والاتراك عبر مئات السنين السابقة، حيث كنا تحت الحكم العثماني وكانت الأخوة الإسلامية هي السائدة.
ترصد ابتسام متغيرات مجتمعية كثيرة، حيث كان للنزوح واللجوء تبعات على كثير من العائلات التي فقدت الكثير من أبنائها المعيلين لها، ووجدت نفسها بين عشية وضحاها في مخيمات تعيش على مساعدات جمعيات الإغاثة التركية والدولية. ورصدت حال بعض المرتزقين بمصائب الناس على كل المستويات.
تستمر ابتسام بالتفكير بمستقبلها بعد كل ما مر معها وهي في تركيا. تتواصل مع احد معارفها في مصر ويدعوها للذهاب إلى هناك والعيش في مصر حيث هناك ثورة انتصرت ورئيس منتخب ولاغربه لغوية وإمكانية العيش أفضل. تقرر ابتسام السفر الى مصر وتذهب إلى هناك.
هنا تنتهي الرواية.
في التعقيب عليها اقول:
اننا امام رواية مميزة بأسلوبها وتمكنها اللغوي وفي قدرة الكاتبة على أن تجعلنا في قلب الحالة التي تتحدث عنها. بحيث نستطيع العيش في الأجواء التي تحدثت عنها.
كما أنه يلفت نظرنا أن تاريخ نشر الرواية عام ٢٠٢٠م، بينما هي تتحدث عن السنوات الأولى لها فقط. وهي بذلك تركز على الاندفاعة الاولى للشعب السوري وثورته، وطهارة الشباب الناشطين في المرحلة السلمية بداية وبدايات تشكيل الجيش الحر، قبل أن يصبح مطيّة للتدخلات الدولية والإقليمية، ومرتع المرتزقة والانتهازيين واللصوص، الا من رحم ربي. ظهور القاعدة وداعش والنصرة وتحول العالم لدعم النظام والصمت عنه تحت دعوى محاربة الإرهاب. كذلك كيف ظهرت الدعوات التقسيمية لسوريا على يد حزب العمال الكردستاني الإرهابي ب ك ك و ال ب ي د، برعاية امريكية. وكيف خسر السوريين بلادهم وتشردوا بالملايين في جميع أنحاء العالم. هذا غير المليون شهيد ومثلهم معتقلين ومصابين ومعاقين. السوريين الموزعين في مخيمات اللجوء في دول جوار سوريا المتروكين و أقدارهم وضياع مستقبل ابنائهم وخسارة وجودهم الإنساني ومعناه. عالم صامت واستباحة كاملة لشعب تحت أنظار العالم، عار يجلل العالم…
كما نلاحظ ما حصل في الثورة المصرية وبقية ثورات الربيع العربي وكيف أُسقطوا…
كما لا يغيب عن القارئ الهوى الإسلامي للكاتبة ونحن لسنا ضد ذلك على أن لا يعني ذلك بالنسبة لنا موقفا طائفيا في ثورتنا. رغم كون النظام طائفي في بنية الجيش والأمن والدولة السورية كلها. لكننا في ثورتنا السورية: نحن ضد الطائفية ومع المواطنة وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية. محققين الحرية والكرامة والعدالة والحياة الأفضل لكل السوريين.
ولن ننسى محاسبة كل من أجرم بحق الشعب السوري.