ولدت زينب لتبدأ سيزا نضالها لتحرير المرأة
من زينب لسيزا
ولدت زينب محمد مراد في العام 1897، في السنطة إحدى قرى محافظة الغربية، منتمية لأسرة معروفة تعود من جهة الاب إلى مراد بك(أحد المماليك المسيطرين آنذاك) والذي قتل على أيدي الحملة الفرنسية حينما داهمت القاهرة التي كان مراد بك شيخا ومسيطرا عليها، ففر إلى الصعيد لحشد المقاومة إلا أنه توفى جراء المرض، ومعانا في إلحاق الذل به بعد هروبه اقتحم جنود الحملة قصره ولم تنج زوجته ( جدة زينب) إلا حينما افتدت نفسها بمبلغ مالي كبير شأن الكثيرات من النساء في ذلك الوقت، ولكن ما يهمنا هنا أن مراد بك هو جد زينب، فيما تنتمي والدتها لأسرة معروفة، إلا أن هذا كله لم يمنحها أي استقرار، فبعد الشهور الاولى من ولادتها علينا بذل الجهد لتتبع ماحدث معها تحديدا ولكن المؤكد انها فقدت أمها قبل ان تكمل عامها الاول، فنجد بعض المصادر تشير إلى انفصال الأم عن الاب ولكنها قليلة جدا، أما الغالبية وهو الارجح فتؤكد على موت الأم وأسباب الترجيح هنا عديدة، فذكر والدتها لم يأت مرة أخرى طوال حياتها، كما أن التفاصيل التالية تدعم قصة وفاة الأم وهي ابنة عشرة شهور
لتظهر السيدة عديلة هانم نبراوي ابنة خالة الأم في حياة الرضيعة ساعية لتبني زينب ووافق الأب لتتحول زينب محمد مراد إلى سيزا نبراوي وهو الأسم الذي منحتها إياها أمها بالتبني، لتغادر زينب حاملة اسمها الجديد إلى الاسكندرية لتنمو بين أحضان أمها التي لا تعرف سواها وتشب ارستقراطية مدللة، وكعادة التحقت فيما بعد بإحدى المدارس الفرنسية إلى ان سافرت معهم إلى باريس في العام 1905 أي في الثامنة من عمرها تقريبا
هكذا عاشت حياة جميلة حتى تخطت الخامسة عشر من عمرها بقليل لينفطر قلبها فجأة جراء انتحار أمها نتيجة سوء معاملة زوجها وعلاقتها المسمومة معه، و للأسف تضطر بعدها لأشهر البقاء مع الرجل الذي تراه قاتلا لكل من كان لها في هذه الحياة، وهو نفسه الذي قرر عودتها إلى مصر، لتعرف سيزا نبراوي ان لها أبا وأن عديلة هانم ليست أمها التي انجبتها، ففقدت من دون مقدمات بوصلة الأمان، وبدات الارض تهتز من تحت أقدامها، خاصة وهي بين أب محافظ يفرض عليها ارتداء البرقع والجلباب الأسود أسوة بنساء الأسر المعروفة في القرى حينها، وبين عائلته المحافظة شديدة التزمت بما يجعلها لا تحتفل بهذه الطفلة التي لا تنتمي لهم تقريبا، وبديهي أنها لم تستمر بجوار أبيها الذي كان قد بدأ حياة مختلفة تماما بعد فراق والدتها وفراقها، بل ذهبت لتعيش في بيت جدها لأمها بالقاهرة أمين باشا عبد الله
دخول هدى شعراوي إلى حياتها
كانت سيزا، التي لم تتخل يوما عن اسمها بالتبني، قد ضاقت بكل شيء من حولها، فقررت التمرد على البرقع وهذه العادات والتقاليد الغريبة عنها والمفروضة عليها، فأغلقت باب حجرتها عليها معلنة انها لن تغادرها حتى الموت رافضة الطعام والشراب لانها كانت فعليا قد أرادت التخلص من الحياة. وحينما باءت كل المحاولات معها بالفشل وبدأت تنهار، استعانت أسرتها بأقرب صديقات عديلة هانم نبراوي التي أتت مسرعة، فقد اوصتها صديقتها على ابنتها قبل أن تقدم على الانتحار بقليل
وتمكنت هدى شعراوي من الدخول إلى حجرتها والحديث معها وجعلها تتراجع لأن في الحياة ما هو جدير بالبقاء مثل مساعدة الآخرين بدلا من التمرد الذي لم يحين وقته بعد. هكذا أضاءت صديقة والدتها حياتها من جديد وخرجت سيزا نبراوي للعمل الأهلي وهي أبنة 16 عاما وبضعة أشهر، لتبدأ رحلة ومسيرة طويلة دامت بعدها لأكثر من سبعين عاما من العطاء والتمرد والمواجهة
عن تلك الفترة قالت سيزا نبراوي نفسها: “انقذتني من حالة اقترابي من الموت هدى هانم شعراوي صديقة ماما عديلة المقربة، ومنحتني حياة وأفكارا جديدة، وشجاعة لم أكن أحلم أن امتلكها”
هذه العبارات هي دليلنا إلى مفتاح شخصية هدى شعراوي تلك الشخصية التي قادت واستحقت الريادة ليس فقط من خلال مواقفها ونضالها لتغيير اوضاع المرأة في مصر، بل لأنها كانت مؤثرة في حياة كل من اقترب منها بشكل يصعب تحققه مرة أخرى
فها هي هدى شعراوي تغير حياة سيزا نبراوي، وهي ذاتها التي توسطت لدرية شفيق لتكون ضمن بعثة التعليم في الخارج وهي الام الروحية لها في خطواتها الاولى بالعمل العام، وهي نفسها التي غيرت حياة حواء أدريس أبنة خالها التي عاشت في بيتها وعاملتها معاملة الأم والمرشدة في طريقها نحو تحرير المرأة، وهي الصديقة الداعمة دائما لرفيقتها صفية زغلول، وهي الراعية لحماس أستر فانوس.. هكذا في كل مرة نتتبع مسيرة عطاء لأحدى رائدات الحركة النسوية في مصر لابد وأن نرى بصمة هدى شعراوي في حياتهن، ليس فكرا او كقدوة في حياتهن، بل كمحرك حقيقي لقوتهن وكقوة ليست بالهينة لهن حينما تصل إحداهن لمفترق الطرق
أما سيزا نبراوي التي وجدت طريقها وأعتبرت العمل الأهلي بداية لكسر القيود التي تكبلها وبنات جنسها .. فستكون حديثنا في الجزء الثاني .