الهايكو ليس جديداً على العربيّة
هو موجود منذ القدم بما أنّه شعر الطّبيعة ، والإنصات لها، وقد اشتهر العربي في تأمّله للطّبيعة وحضورها القوي في قصائده
خاضَ العجاج محجّلا حتى إذا
شهد الوقيعَة عاد غير محَجل
عنترة العبسي
بأنا نورد الرايات بيضا
ونصدرهن حمراً قد روينا
عمرو بن كلثوم
أَيا ريحَ الشَمالِ أَما تَرَيني
أَهيمُ وَإِنَّني بادي النُحولِ
جميل بثينة
(إنّها الحضارة التي تتفاعل وتتلاقح منذ عصور ) وقد أضافت للأدب العربي
الشّعر الحرّ ، وقصيدة النّثر تأثراً بالأدب الغربي..
وبما أن الآداب هي عنوان الحضَارة ، وإرث عالمي ليس حكراً على أحد..لا يُعدّ الهايكو غريباً ، ولا دخيلاً.
هو دعوة للتّأمل ..قصيدة تنقل المشهد الحي باختزال في ثلاثة اسطر أو سطرين ..شعر يقوم على البساطة والعمق ..الدّهشة والمفارقة،الرؤية بالعين والروح معاً.
البداية..
( في القرن الخامس عشر ظهر في اليابان شعر الرينغا ؛ وهو شعر جماعي
يقرا المشتركون بالتّناوب بينهم قصائد من ١٧ مقطعاً صوتياً بترتيب 5_7_5
“وفي بدايات القرن السّادس عشر ظهرت قصيدة الهايكاي ، لكنّ مرحلة النضج كانت مع الشّاعر ماتسو باشو في القرن السّابع عشر
على شكل ثلاثة أسطر ، وكان الهايكو
التقليدي الذي تطوّر فيما بعد ليشمل الإنسان ، وماحوله في المدينة (الجنداي هايكو ) ولا يشترط الموسمية ”
أوّل من كتب في هذا اللون الشعري
البرفيسور الفلسطيني عز الدين مناصرة في كتابه توقيعات ، وكانت القصائد عام ١٩٦٤، و سمّاها هايكو و تانكا.
في السّنوات الأخيرة انتشر هذا الأدب بين الشّعراء العرب بسرعة
هذا الشعر بدأ يحتل حضوراً ، وإقبالاً واسعاً في المشهد الثّقافي العربي
سمات الهايكو
لهذه القصيدة خصائص ، وسمات تميّزها عن الومضة، والشّذرة والخاطرة..فليس كل ما يكتب بثلاثة أسطر هو قصيدة ،
فهناك المشهدية ، والاختزال ، والعمق
وبدونه يعتبر كلاماً عاديا ، وهناك الموسمية ، والآنيّة وهي مهمّة في الهايكو التقليدي..
الاقتصاد في المجاز ؛ وهو يتحرّر من الخيال ، ومحسّنات البديع
التّنحي ولا يقصد به التّنحي الكامل بل هو حضور الشاعر الخفيّ ، والذي لا يتدخل بالحدث ، أو يغيّر مجراه وهناك الدّهشة أو المفارقة ، وأضيف الفكرة اللامعة (الاستنارة) التي تحمل القارىء لوسط المشهد دون تكلف ، وتجعله يكتمل في داخله
فالهايكو لا يقول كلّ شيء ؛ هو يُعنى بالمشاركة بين الشّاعر والقارىء
تكتب القصيدة على سطرين أو ثلاثة
أسطر غالباً بتقطيع قصير /طويل /قصير ..
القصيدة القصيرة بنفس طويل !
وقد يكون أحادي المشهد أو ثنائي المشهد تورياوازة
مثال من الهايكو الياباني
من يُشْغِلُ نفسه
بمشاهدة أزهار الجزر
إبان موسم الكرز ؟
ياماغوشي سادو
……
لو عندي فرشاة
تستطيع رسم أزهار البرقوق
برائحتها !
ساتومورا سبوبا
…….
يتوقف الجرس –
بالصدى تعطر الأزهار
المساء !
ماتسو باشو
……
العالم
يتألم
تحت معطف وردي
كوباياشي إيسا
ترجمة أ. حسن رفيقي
التانكا
تكتب قصيدة التانكا على خمسة أسطر ،
من الممكن أن يعبّر فيها الشاعر عن رؤيته بشكل أوسع وتظهر فيها ذات الشاعر بشكل واضح بترتيب
7_7_7_5_7
مثال على التانكا
أتابعُ
الغيوم الكثيفة
تعبر السماء.
أن تكوني امرأة
مهنة مخيفة
…….
يتعانقان
كشجرة
أجسادنا
ما كان لها
أن تكون شفّافة
الشاعرة اليابانية: أكيتسو إيه ، ترجمة: عاشور الطويبي
السّنريو
وهو لا يختلف عن الهايكو إلا أنّه لا يهتم بالكيغو ، والإشارة للموسمية ويميل للسّخرية ، والكوميديا السّوداء . سمّي سنريو نسبة إلى شاعر ياباني سنريو كاراي .
مثال
في القدس
قد لا أعرفك ولا تعرفني
لكني أشعر نحوك بالحب
أ. محمود الرجبي
……
“هنا تقريبًا
كانت خزانة ثيابي”
تقول وهي تنكت الرماد
この辺が箪笥だったとはえを掻き
كوجيرو
ترجمة أ. ديمتري
الهايبون
وهو نص نثري ينتهي بهايكو
أنواع الهايبون الأوتوبيوغرافي ، والتخيّلي الحديث والقائم على أدب الرّحلات القديم ، وآخر على شكل قصة
وأول كتاب فيه هو ( الطّريق الضيق الى أعماق الشّمال ) لباشو. استخدام باشو الهايبون في كتابه عن رحلته 1689 ومزجه مع الهايكو في نص الهايبون فكان السّرد النثري عن رحلاته وانطباعاته بطريقة أدبيّة
مثال
هايبون#
القهوة عربيّة
ليَديها نكهَةٌ أخرَى ! أراقبها بشَغفِ طفلة ، أتشبَّع برائحةٍ شهيَّة..بيضاء يَد أمي وسَط اللَّيل… أستَمتِع بتَقلِّب
حبّات البنّ السَّاخنة ، إيقاعٌ متواتِر…
طَازَج هذا البنّ ، وهي تفرُك الحبَّة الخَضرَاء في يدها .
للقهوَة طقوسُها . تلكَ الرَّائحَة تتَفتَّحُ
الذَّاكِرة على لذّةٍ أولَى .
: مُرّة !!
أغمضُ عينيّ على دهشَة الطَّعم !
: هل سَينبتُ لي شَاربان إذا شَربتُ كما تقولُ الحكَاية؟..تضحكُ أمي
سَادة هكذا نشرَبها كحيَاة الفلسطينيّ
بلونِ التُّراب . مرَّة بطعمِ الوجَع.
رائحَةُ اللَّيل
خَضرَاءَ عَلى جَمر
حَبَّاتُ البُن
فاتن أنور
لماذا الهايكو ؟
في معرض ردّي على سؤال في جريدة الجديد الجزائرية نوفمبر / ٢٠١٨
التغيّرات السّريعة التي أصابت العالم , وسرعة التّحولات كانت كارثية, فانتقل الصّراع الى الدّول العربية في بئر “الخريف الدموي” وهو ما أطلق عليه الرّبيع العربي, لتنتقل إسقاطات هذا الحدث على شتّى الدّول العربيّة, وهذه الخيبات والإنكسارات أرهقت المثقفين ، وأنشأت هوّة كبيرة بين من نؤمن به من فكر سياسي ، واجتماعي ووطني ، والواقع الأليم الذي نراه على الأرض .
( من يملك المعرفة يملك السّيطرة ) لذا لا بأس من الانفتاح على الثّقافات الأخرى مع الحفاظ على هويّتنا ، وخصوصيتنا والهايكو شعر عالمي
و(لا يوجد تضاد بينه والرؤيا الجمالية للشّعر العربي)
فالقصيدة ديوان العرب ، وعليها أن تحمل تطلعاتنا لذا الهايكو في بساطته وواقعيته البعيدة عن الزخرفة هو خيار منطقيّ سيساهم فعليّاً في خلق تصوّر القصيدة العربية العربية المستقبليّة ،وهو طرح جمالي مضاف وليس بديلاً .
الملتقى الأول لنادي هايكو الأردن٢/ تشرين الأول /٢٠١٩