آفاق حرة
لغتنا التواصلية معدية جدا ! يكفي ترديدك جملة معهودة من قاموسك اللغوي الجميل لتكتشف بعدها أن الكل أصبح يرددها ، لأنهم أولا أحبوا كلامك و انبهروا بجديده المكرر ، و ثانيا هي طبيعة بشرية منا ، نأخذ دائما دون وعي و يلتصق المأخوذ في الوعي ليصبح ملازما لنا في التواصل ! هكذا لغتنا أو لهجتنا تعيش و تنتعش ، تسقى كذلك و ترعى كأي كائن حي آخر وبذلك ممكن أن نتحدث فعلا عن تكوين الوعي تدريجيا بملامسة الآخرين و إحتكاكنا بهم ، كلنا نبقى في هذا العالم كالأطفال نغرف و نأخذ من بعضنا البعض دون وعي ، لكن أجمل الأخذ هو أخذ الأخلاق و التصرفات ! لهذا كذلك من الأفضل دوما معاشرة الأشخاص الإيجابيين ، و الإبتعاد عن الأشخاص السامة ، بمعنى تلك التي إن إحتكت بك جعلتك مثلها و دون شعور سوف تأخذ من قاموسها الجميل ، فلا عجب اليوم حين نكتشف أكثر الألفاظ المستعملة في بيئتنا تنتمي لهذه الفئة من الناس ، فهي أكثر الأشخاص المؤثرة في البيئة بسلبياتها المعهودة ، خصوصا في وسائل التواصل الحديثة ، منتشرة كالبق ساعدتها المنظومة ذاتها على ذلك ! مؤثرة جدا جدا تترك أثرها ك الجائحة خصوصا في الأشخاص ذوي الثقافة البسيطة و اللذين لم يسعفهم هم الدنيا للتعلم من الكتب و القراءة لكن الحياة تقدم لهم فقط هذه الفرصة الوحيدة في التعلم ب رفقة الناس ، كل قواميسنا الجديدة هي بفعل الإحتكاك اليومي معهم ، في سيارة الأجرة ، عند البقال أو في الزيارات ،في العمل و ما إلى ذلك .. نلتقي أناسا يوميا ف نضيف الجديد إلى عقولنا و غالبا تكون الإضافة بمشاعرنا ف تلتصق المصطلحات في الذهن إلى الأبد ، و هكذا إذن تتكون الثقافة المجتمعية بعد إختلاط و دمج الكلمات في سرد الاحدات أو التعقيب عنها أو النقد أو إعطاء الرأي في موضوعات الحياة اليومية و كل هذا و ذاك يعرض للتخمير داخل الذاكرة فيبرز لنا وجه المجتمع اليوم !
أما حين نقف في زاوية الشارع و نرى وجوها نعرفها هذا في حد ذاته شعور اطمئنان المرأ كيفما كانت وضعيته الإجتماعية و المادية ، بعضهم نتبادل معه التحية ، تحياتي الرايس.. ! و ما إلى ذلك و بعضهم تجده بعد التحية و رد السلام يخوض معك مواضيع يسألك عن الحال و الأحوال حتى الوصول إلى المكان الذي يريد أن يصل إليه و أنت فيه و موضوعه الحقيقي هو المشمش و البرقوق فيطلب منك كيلو أو إثنين ! هو إحساس أولا أنك داخل مجتمعك تعرف الناس و الناس تعرفك ليس فقط معارفك و هذا الإحساس هو ما نسميه الإنتماء و أن زاوية الشارع هي وطن ، كما عتبة باب منزلك !فالوطن إلى جانب اللغة الموحدة و المصطلحات الممزوجة فيها هي المكان الذي تجد فيه راحتك و الحديث فيه مع من يفهمك تناقشه بنفس اللغة التي يفهم و حيث يعرف الجو العام المشترك ! و منه تنشئ كل التفاعلات و الإنفعالات التعبيرية و النفسية ، و ترتبط بنفس الشعور ! و حيث تتكون أيضا كل المشاعر بنفس طريقة تكوين المصطلحات ، ببساطة عتبة منازلنا هي وطننا منها يبدأ الإنتماء ،عندما تكون مفعما مبتهجا أو فارغ المحتوى منهكا متعبا ،سوف تجد راحتك حتما عند عتبة باب منزلك أو عتبة أي باب آخر بجواره ، هذا هو الوطن بغض النظر عن مشاكلك أو ما لم يقدمه لك المجتمع ! تجلس و تتابع الأطفال يلعبون الكرة أو أي شيء آخر ، الوطن هو شعور يفوق أي إحتياج مادي أو أي خيبة أمل ،لهذا السبب يموت الناس من أجله !فعند جلوسك بمفردك وتتنهد تفكر أن هناك شخصًا واحدًا على الأقل يحبك ، أليس هذا سببًا إضافيًا لتعيش الحياة الكاملة وتحب الحياة كهدية ، وتحب الوطن و الوقت حينها يتوقف عندك فقط ، لاستحضار روح الصفاء! ثم يعود الهدوء ، ويتبدد الضباب في العقل ، وتشعر بالسعادة ، ويصبح كل شيء نقيًا وحلوًا ، ثم تحتسي معه فنجان من القهوة و أنت في غاية السرور و الراحة و هذا الشعور هو من مشاعر حب الوطن ، ف عندما تمر بمراحل السعادة ، ستدرك أن الأشياء يجب أن تكون دائمًا على هذا النحووعندما تحب من أين تأتي دغدغة الفراشات التي تطير فوق صدرك!. تسمح لنفسك بالذهاب مع حقائق معينة لم تعرفها من قبل أو تقاتل من أجلها مرارًا وتكرارًا! ثم تدرك أن القتال لن ينتهي أبدًا و لا يفيد في شيء ، فعندئذٍ ستترك صراع الطواحين في عقلك فقط عندما تجلس على عتبة المنزل تكتشف أن الوطن دائما هنا و هذا كل شيء