لصحيفة آفاق حرة
الأرض في يوم الأرض…
ماذا لو نهض من افتدوا الأرض من تحت الأرض؟ أتراهم يعرفونها؟ أتراهم يفهمون لغتها التي تركوها تتكلّمها أم أنّ الأمور تغيّرت وتبدّلت وأضحت الأرض غير الأرض، ولم يبق لهم إلا الصّورة التي ارتسمت في أرواحهم يوم غادروها؟ ماذا هناك؟ حتى لغة الأرض تغيّرت، كانت الأرض (تتكلّم عربي)، فأصبحت تتكلّم (عِرْبِيَّ)… طالها النّحت… ذلك النّحت الذي طال كلّ شيء، حتّى النّفوس والعقول والوجوه… كلّ شيء منحوت… لا أدري، أهناك علاقة بين التّرويض والنّحت؟ رُوِّضْنا لننحت أم نُحِتنا لنرتاض ونروض… أتطاول الزّمن أم ماذا؟ بالأمس كانت الخيل مسروجة والأنظار ترنو إلى الشّطآن القريبة والبعيدة، والسّماء تبارك والسّحب تجود، وتفلح الأرض أملا، حتّى الرّمال في ساحلها كانت تتحدّى الأمواج العاتية، حتّى الجبال كانت تجبه الرّياح الفاسقة، حتّى الوهاد كانت تبتلع السّيول فيغور فيها الغثاء، حتى الكهوف كانت أنفاسها الحرّى تحمي أهلها، وتنفي خبثها، إلى أن هدأ كلّ شيء فجأة، تعب الفارس وانبتّ الظّهر، واستظلّ بشجرة الغرقد من نذر نفسه للأرض، وافتقد الزّيتون خضرته، وتغيّر لون زيته، وما عاد للبيدر قمح ولا للقمح بيدر… الأرض مِزق، السّماء تغيّر وجهها، تجهّمت، تنكّرت في زيّ غير زيّها. من يخبر تلك الأرواح أن تهدأ في أجداثها، فهي الوحيدة التي لم يطالها يد الزّمن في هذه الأرض، ماتت على إشراق، نامت على رؤيا طيّبة مستبشرة، ما زالت تنعم بها بعيدة عن عالم النّحت… أخبروهم أنّ باطن الأرض حيث هم غير ظاهر الأرض حيث نحن… أخبروهم أنّنا نحتفي بهم في غيبة الأرض…
محمد موسى العويسات
القدس 29/3/2022