كتب : نضال الخليل
ليس في السودان موتٌ بل انتحارُ الرمل من فرط الجوع
الرملُ نفسه الذي كان يكبرُ كطفلٍ على ركبة النيل أكلَ أبناءه وبلعَ أصواتَهم وصارَ يلوكُ في فمه عظامَ الذاكرة.
البيوت التي تهدمتْ لم تهدمها الحرب بل الحنين إلى السقف الذي لم يعد يقدر على اتّساع الدخان
هناك حيث ينادي الجائعُ على ظلّه فلا يجيبه أحد يخرج الذهب من الشقوق كما يخرج الاعتراف من صدر المذنب لكنّه لا يُرى
الذهبُ — تلك المرآةُ العمياء — تساقطتْ عليه أصابعُ بعيدة تُناديه بأسماء المدنِ اللامعة تقول له
- تعال إلى الصحراء المصقولة بالنيّات
فتقومُ له الطائراتُ مقامُ اللصوصِ في الليل ويُغنّي له التجّارُ نشيدَ العارِ على أطراف الخُيام المذهّبة
لم يكن السودانُ يعرفُ أن الصحراء لها عيونٌ خليجية تعدّ له القتلى كما تُعدّ الجِمال في سباق المباهاة
وتقول في صلواتها السرية:
- هَبْنا ذهبَكَ لنزرعَ فيكَ الحربَ
وهكذا صار الجوعُ صلاةً والموتُ سِلعة وصارَ النيلُ يكرهُ مرآته لأنّ الدمَ غلبَ الزرقة
في غزة أيضاً — هناك في آخر الجسد العربي تتدفّقُ الصواريخُ من السماء لا لتقتل لكن لتقيسَ عمقَ الصمت.
كأنّ الخرابَ واحدٌ يتنقّلُ بجواز سفرٍ مختومٍ بختمِ الملوك
كلُّ يدٍ تمتدّ إلى ذهبِ السودان تمتدّ في الوقتِ ذاتهِ إلى رمادِ غزة،تلمسُ الركامَ كمن يختبرُ دفءَ الغنيمة
وتقول:
- ما زال الرمادُ صالحًا للتجارة
من يصدّق أنّ الدمَ يُعادُ تصديره؟
أنّ الطائراتِ التي تنقلُ الذهبَ من فمِ الخراب هي نفسُها التي تُهدي صمتًا إلى غزة في صورة بياناتِ تضامن؟
من يصدّق أنّ الجوعَ هو نبوّةُ هذا القرن وأنّ الآلهةَ الجديدةَ في الأبراج الزجاجية
تكتبُ الوحيَ بميزانِ البورصة؟
السودانُ الآن جسدٌ مطعونٌ بنهرٍ عطِش وغزةُ ظلُّه الذي يصرخُ من وراء البحر كلاهما في قيدِ الحصار
كلاهما في دفترٍ واحدٍ للنهب والاعتذار وحين تنامُ المدنُ على رائحة البارود تُوقظها الإماراتُ بأصابعها المذهّبة تقول لها:
- قومي فالذهبُ لا ينام
لكن الذهب أيها البعيدون ليس سوى جثةٍ تلمعُ في الظلام
آفاق حرة للثقافة صحيفة ثقافية اجتماعية الكترونية