1 – من هو ابن رشد:
هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد ابن رشد ولد في قرطبة (1126 – 1198) . أبو الوليد قاضي، طبيب، فقيه، فيلسوف، فلكي، فيزيائي.. نشأ في أسرة من أكثر الأسر وجاهة في الأندلس، وعرفت بالمذهب المالكي حفظ موطأ مالك، وديوان المتنبي، ودرس الفقه على المذهب المالكي، والعقيدة على المذهب الأشعري.
يعد ابن رشد من أهم فلاسفة الإسلام. دافع عن الفلسفة وصحح علماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا، والفارابي، في فهم بعض نظريات أفلاطون وأرسطو. قدمه ابن طفيل لأبي يعقوب خليفة الموحدين، فعينه طبيبًا له، ثم قاضيًا في قرطبة. تولّى ابن رشد منصب القضاء في اشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، تلبية لرغبة الخليفة الموحّدي أبي يعقوب يوسف، تعرض ابن رشد في آخر حياته لمحنة قاسية؛ حيث اتهمه علماء الأندلس والمعارضين له بالكفر والإلحاد، ثم أبعده أبي يعقوب يوسف إلى مراكش، وتوفي فيها (1198م)(1)
انطلق ابن رشد في آرائه الأخلاقية من مذهبَي أرسطو وأفلاطون، فقال بالاتفاق مع أفلاطون بالفضائل الأساسية الأربع: (الحكمة والعفة والشجاعة والعدالة)، ولكنه اختلف عنه بتأكيده أن فضيلتي العفة والعدالة عامتان لكافة أجزاء الدولة (الحكماء والحرّاس والصّنّاع). وهذه الفضائل كلها توجد من أجل السّعادة النّظرية، التي هي المعرفة العلمية الفلسفية، المقصورة على “الخّاصة”. وقد قَصَرَ الخلود على عقل البشرية الجمعي الذي يغتني ويتطور من جيل إلى آخر. وقد كان لهذا القول الأخير دورٌ كبير في تطور الفكر المتحرِّر في أوروبا في العصرين الوسيط والحديث. وأكد ابن رشد على أنّ الفضيلة لا تتمّ إلا في المجتمع، وشدَّد على دور التّربية الخلقية، وأناط بالمرأة دورًا حاسمًا في رسم ملامح الأجيال القادمة، فألحَّ على ضرورة إصلاح دورها الاجتماعي في إنجاب الأطفال والخدمة المنزلية. وقد بسط ابن رشد أهم آرائه الأخلاقية من خلال شروحه على الأخلاق إلى (نيقوماخوس) لأرسطو، وجوامع السياسة لأفلاطون ..(2)
يرى ابن رشد أن لا تعارض بين الدّين و الفلسفة، ولكن هناك بالتأكيد طرقاً أخرى يمكن من خلالها الوصول لنفس الحقيقة المنشودة. ويؤمن بسرمدية الكون، ويقول بأنّ الرّوح منقسمة إلى قسمين اثنين: القسم الأول شخصي يتعلق بالشّخص، والقسم الثّاني فيه من الإلهية ما فيه. وبما أنّ الرّوح الشّخصية قابلة للفناء، فإنّ كل الناس على مستوى واحد، يتقاسمون هذه الرّوح، وروح إلهية مشابهة.
ويدّعي ابن رشد أن لديه نوعين من معرفة الحقيقة، الأول معرفة الحقيقة استنادًا على الدين المعتمد على العقيدة، وبالتالي لا يمكن إخضاعها للتمحيص والتدقيق والفهم الشامل… والمعرفة الثانية للحقيقة هي الفلسفة، والتي ذَكر بأن عددًا من النّخبويين الذين يحظون بملكات فكرية عالية توعدوا بحفظها، وإجراء دراسات جديدة فلسفية. (3)
2- آثاره وتأثيره:
عُرفت فلسفة ابن رشد، المتوفى العام 1198، في عصر النّهضة الأوروبية، بـ”الرُّشدِيَّة اللاتينية”، التي سيطرت على العقل الغربي لأكثر من ثلاثة قرون. وقد سميت بالحركة الرُّشدِيَّة اللاتينية، لأنها أخذت عن ابن رشد أهم مبادئه الجوهرية في المنطق العقلاني، الخاصة بالفصل ما بين “حقيقة” العقل الخالص (البرهان المنطقي) و”حقيقة” الوحي الميتافيزيقي، والإيمان الرّوحي. وإذا كان ابن رشد قد رشّح برهان العقل معياراً للنظر في حقيقة الإيمان، وخلص إلى فكرة ازدواج الحقيقة، بمعنى الإيمان الروحي بـ”الحقيقة الدينية” بالنسبة إلى الشخص كمؤمن متدين من جهة، و”الإيمان” العقلاني بـ”الحقيقة البرهانية” بالنسبة للشخص نفسه ككائن تاريخي. وفي حالة تعارض “الحقيقتين”، فإن على الإيمان أن يلجأ إلى العقل الفعال.
باختصار: فابن رشد يرى أن العقل جزءٌ من النّفس؛ وإن كان مميّزًا عنها، وهو قوّة مشتركة بين البشر جميعا؛ وإن اختلفت مستوياتها. وتقسم هذه القوة إلى وظيفتين:- وظيفة عمليّة، وأخرى نظريّة .
– والوظيفة العمليّة: هي المبدأ المحرّك للجسد الإنساني؛ لتحقيق الوظائف والمهام والصّناعات الإنسانيّة .
– أما الوظيفة النّظرية: فهي التي تدرك حقائق المعقولات الكليّة، أو المجرّدة من المادّة والمحسوسات.(4)
هذه الفلسفة التي بثّها في مؤلفاته الكثيرة التي كانت ولعصور طويلة؛ مثار إعجاب فلاسفة العالم، ويقسمها الدارسون إلى أربعة أقسام:
– شروح ومصنفات فلسفية وعملية.
– شروح ومصنفات طبية.
– كتب فقهية وكلامية.
– وكتب أدبية ولغوية.
وقد أحصى جمال الدين العلوي 108 مؤلف لابن رشد، وصلنا منها 58 مؤلفاً بنصها العربي.
– من شروحاته وتلاخيصه لأرسطو:
- تلخيص وشرح كتاب ما بعد الطبيعة (الميتافيزياء).
- تلخيص وشرح كتاب البرهان أو (الأورغنون).
- تلخيص كتاب المقولات (قاطيفورياس).
- شرح كتاب النفس.
- شرح كتاب القياس.
– وله مقالات كثيرة ومنها:
- مقالة في العقل.
- مقالة في القياس.
- مقالة في اتصال العقل المفارق بالإنسان.
- مقالة في حركة الفلك.
- مقالة في القياس الشرطي.
– وله “”كتب أشهرها””:
- كتاب “مناهج الأدلّة”، وهو من المصنّفات الفقهية والكلامية في الأصول.
- كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشّريعة من الاتصال”، وهو من المصنّفات الفقهية والكلامية.
- كتاب “تهافت التهافت” الذي ردّ فيه ابن رشد على الغزالي في كتابه “تهافت الفلاسفة”.
- كتاب “الكليات”.
- كتاب “التحصيل” في اختلاف مذاهب العلماء.
- كتاب “الحيوان”.
- كتاب “المسائل” في الحكمة.
- كتاب “بداية المجتهد ونهاية المقتصد” في الفقه.
- كتاب “جوامع كتب أرسطاطاليس” في الطبيعيات والإلهيات.
- كتاب “شرح أرجوزة ابن سينا” في الطب.(5)
3- آثاره التربوية:
عاش ابن رشد في عصر سادته الصّراعات السّياسية والمذهبية والنّزاعات العسكرية، سواء في المغرب أو الأندلس. وظروف مثل هذه تحرك همم المفكرين والعلماء، وتدعوهم للتّأمل في أسبابها، وتَلَمُّس حلول لها. وقد اهتم ابن رشد الفيلسوف بهذه الظروف، وأولاها عنايته، وعبر من خلال اهتمامه عن انشغاله بقضية التّربية والتّعليم كعامل أساسي من عوامل تشكيل شخصيات الأفراد، وتحديد قنوات لإيجاد مسارب التّوافق والتّكيُّف الاجتماعي والذّاتي.
– تتوزع آراء ابن رشد في التربية ضمن مؤلفاته المختلفة، وأهمها:
أ ـ “تهافت التّهافت” الذي ردّ فيه على كتاب الغزالي “تهافت الفلاسفة”. وكان ردّ ابن رشد من أهم ما صُنِّفَ في الرّدّ على الغزالي وإبطال مزاعمه، بحيث إنه أثار الجدل الواسع بين الفقهاء والحاكمين والخاصة والعامة… لأنّ ابن رشد رام في كتابه الدّفاع عن الفلسفة، وبيان أهميتها في الإصلاح السّياسي، والاجتماعي التربوي.
بـ “جوامع سياسة أفلاطون” وهو ترجمة وتلخيص وشرح لكتاب جمهورية أفلاطون، وفيه تعرّض لشروط المجتمع الفاضل، وسبل بنائه، ووقايته، وطرق سياسته وتدبيره، ووظائف أفراده…
ج ـ “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال”، وفيه فصل القول عن قضايا مهمة تحتل مكانة في فلسفة التّربية؛ منها واقعية المعرفة، ووجوب النظر العقلي، والفلسفة، وغيرها. كما تعرض لحُكم تعلُّم الفلسفة، وحُكم علوم غير المسلمين، والقدرة البشرية على الإحاطة بالعلوم، والتأويل، وتصنيف العلوم، رادًا في فصول كثيرة على كلام الغزالي وآرائه.
دـ “شرح أرجوزة ابن سينا في الطب”، حيث عمد ابن رشد إلى الحديث عن نمو الجنين، والعناية به، وميلاده، وتدبيره، ورعاية نموّه النّفسي والبدني.
– وكتب أخرى كثيرة، عبّر فيها عن آراء في التّربية مؤسَّسَة تأسيسًا فلسفيّا إسلاميا، تنم عن سعي ابن رشد الفيلسوف الطّبيب لوصف بلسم شاف يعالج أسقام أمته وعصره. والمقالة المتواضعة التالية تحاول الاقتراب من ابن رشد واستعراض ملامح فكره التربوي.(6)
4- أسس فلسفته التربوية:
ـ يقول ابن رشد في تعريف العقل: “هو إدراك نظام الأشياء الموجودة وترتيبها… فالصّور المادية إذا تجرّدت في النفس من مادتها، صارت علما وعقلا، ولما كانت معقولات الأشياء هي حقائق الأشياء، كان العقل هو إدراك المعقولات، أي إدراك نظام الأشياء الموجودة وترتيبها وأسبابها”.(7) ويتفق ابن رشد في تعريفه العقل مع مفكري اليونان؛ الذين اعتبروه مَلَكَةً خاصة بإدراك المجردات، وبمعرفة الكلي، في مقابل المحسوس الجزئي.
فالعقل بهذا التّعريف هو منهج في النّظر، وطريقة في تحصيل المعرفة تسعى لإدراك أنظمة الموجودات، وترتيبها، وأسبابها. وهذا النّظر العقلي؛ يرى ابن رشد أنه واجب في الإسلام. قال في كتابه فصل المقال: “إن الشّرع قد أوجب النّظر العقلي في الموجودات واعتبارها”(8) واستعرض آيات من القرآن الكريم، ونصوصا من الحديث الشّريف، لتأكيد قوله.
وإذا كان التّفكير العقلاني يعني عرض المرء أفكاره بطريقة منطقية تنم عن قدرته على كشف أسباب وجواهر الظّواهر، فإنّ هذا لا يمكن أن يتحقّق في ظل تربية متخلفة تعتمد إرهاب الصّبيان وسيلة للتّحكم فيهم، وتوجيههم، وتنشئتهم… يقول في جوامع سياسة أفلاطون: “لا يجب أن نعلّم النّشء أن هناك مخلوقات (الجن) تهدم الجدران على الناس، ولا يحول بينهم وبينهم أي حائل. وأنهم يَرونَ ولا يُرَوْن، ويوجدون أينما يريدون، وأنهم ينتحلون ما شاءوا من الصور”.(9) فهذه الخرافات تأثيرها السّيّئ على التّكوين النّفسي للصّبي قوي؛ بحيث يلازمه طيلة حياته، وقد يحول دون توافقه الذّاتي السّليم، ويعرقل اندماج الفرد في مجتمعه، ويمنعه من أداء وظيفته الاجتماعية.. “إذ تمنع هذه الوليد من أن يكون جنديا قويا، وتنمّي الخوف في قلوب النّاشئة”.(10) فأمر الشّرع بوجوب استخدام العقل؛ قد ينقضه هذا الأسلوب التّربوي الخاطئ.
إن الحصيلة الضّخمة من المعارف المتمثّلة في العلوم المختلفة؛ هي وليدة النّظرة العقلية التي همّها البحث عن الحقيقة في كل أرجاء الكون.
ويؤكد ابن رشد: أنّ المعرفة الإنسانية والعلم البشري أصلهما من الواقع: “العلم اليقيني هو معرفة الشّيء على ما هو عليه. والعلم المخلوق فينا إنما هو أبدًا شيء تابع لطبيعة الموجود”.(11) فالواقع هو مصدر المعرفة والمؤثر فيها بمتغيراته. كما أن الواقع نفسه يعكس التّغيرات والتّطورات التي تطرأ على العلم والمعرفة: “فكل علم معرفة، جزئيّة كانت أو كليّة، لا يمكن إلا أن تكون مرتبطة بالواقع، ونابعة منه”(12) بل حتى القضايا الكليّة المجرّدة المؤلفة – بواسطة العمليات العقلية الذّهنية المعقدة- من الجزئيات، هي موجودة في الواقع قبل أن توجد في الذّهن. يتمثل وجودها الواقعي في أشكالها الأولى، وجزئياتها التّفصيلية، قبل أن تتبلور في الذّهن.(13)
ومع اعتراف ابن رشد بمكانة العقل في التّمييز والتّحصيل والوصول إلى المعرفة.. فإنه يرى أنّ قدرات العقل محدودة، ثم إنّها تختلف من شخص لآخر، والعقل عاجز عن تحصيل جميع العلوم، فهناك أمور لا يستطيعها، ولا يمكنه أن يستقل بمعرفتها بمفرده، وكي يستطيع الوصول إلى ما غمض عليه من العلم؛ لا بد من الاستعانة بمن سبقوه، والاستفادة من اجتهاداتهم.
والمعرفة متنوِّعة بقدر تنوُّع هذا العالم المحيط بالإنسان. لذلك كان مستحيلا على الإنسان الفرد الإحاطة بكل العلوم. كما يستحيل على فرد منفرد أن يُنشئ علما مبتكرا كامل القواعد من دون الاستعانة بتجارب من سبقه، فالعلوم لا يكمل النّظر فيها إلا بعد زمن طويل من البحث فيها.(14) والمعرفة تمثّل تراثًا إنسانيًّا عالميًّا تثريه التّراكمات الناتجة عن إسهام وعطاء الشعوب المختلفة، فلذلك يصعب استغناء المتأخّرين عن أعمال المتقدّمين، وهذا يوجب الاستعانة بما انتهى إليه البحث العلمي، والاسترشاد باجتهادات العلماء السّابقين، حتى ولو كانوا مختلفين معنا دينا؛ مثل اليونان. فنأخذ منهم ما نجده موافقا للحق، ونعذرهم على ما هو ليس موافق له، لأنّ آثارهم تتحدد قيمتها بحسب الشّروط التي أوجدتها، فما توصّلوا إليهليس ملزما للأمة الإسلامية، وليس واجبا على الفلسفة من حيث كونها فلسفة؛ لأنها مجرد تأويلات اضطروا إليها حسب المقام والمقال، لأن الفلسفة هي النّظر في الموجودات، واعتبارها من جهة دلالتها على الصّانع.(15)
ويؤكّد ابن رشد العلاقة الضّرورية بين السّبب والمسبِّب كخطوة نحو إرساء دعامة الفكر العلمي في الثقافة العربية، وذلك برد كل شيء في العالم إلى أسباب تُدرَك بالعقل.
لم يجد ابن رشد حرجًا في تقرير علاقة السّببيّة على الاعتقاد والإيمان الديني العميق بوجود الخالق الفاعل في هذا الكون، لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الكون، وخلق القوانين والسّنن التي لا سبيل إلى خرقها وتبديلها، فعلى حين تَحَرَّجَ الغزالي في تقرير علاقة السّببيَة، لم يتحرج فيلسوفنا في تقرير العلاقة السّببيّة باعتبارها من سنن الكون وقوانينه.
لم يقبل ابن رشد موقف الغزالي القائل بعقم التّصوّر الفلسفي للضرورة السّببيّة، واعتبر ابن رشد أن رفع الأسباب إنما هو رفع للعقل نفسه، ورأى إلى جانب ذلك أنه ليس يلزم من العلم ليكون علمًا أن يكون قائمًا على الضرورة السببية. فالعلم الحقيقي الذي يستند على العقل هو العلم بالأسباب والمسببات… فالعقل هو الذي يدرك الأسباب والموجودات الطبيعية. وإذا رفعت الأسباب والمسببات، رفع العقل، وإذا رفع العقل؛ بطل العلم، وحلت الظّنون محل العلوم الحقيقية العقلية.(16)
فكرة السّببيّة كما شرحها ابن رشد تؤكّد العلاقة بين الأسباب والمسببات، وهي تتعارض مع فكرة التّواكل التي لعبت دورًا أساسيًا في التّخلف العربي في العصور الوسطى. لأن الإيمان بفكرة السببية يثمر الاعتقاد بحرية الإنسان واختياره، وبأن للأشياء في ذاتها وبطبيعتها نفعًا أو ضررًا وحسنًا أو قبحًا.(17)
5- غاية التربية مجتمع فاضل:
لاحظ ابن رشد أن من أعراض الأزمة السّياسية والفكرية تخلي الطبقة الحاكمة المؤلفة من القادة والأئمة والعلماء عن مبادئهم العقلية، واتخاذهم موقفًا معاديًا للعلم والعقل. كما لاحظ أن مواطنيه لم يلتزموا وظائف اجتماعية محددة، بل لم يشتغلوا بصنعة واحدة، وانساقوا وراء أغراض مختلفة متناقضة، وانشغلوا بصنائع متعددة.
ولرصد غاية التّربية؛ رجع ابن رشد إلى الإرث الفلسفي اليوناني، وهو به خبير، بل وأكثر من ذلك؛ فقد كان ابن رشد يرى أن شروط تأسيس مدينة فاضلة كما حددها أفلاطون؛ يمكن إقامتها في بلاد المغرب، لأن بلاد المغرب في عصره توفرت على الشّروط نفسها التي كانت تتوفر في بلاد اليونان زمن أفلاطون. ولعل عقيدة المهدي هي التي أغرته بذلك، فالمهدي بن تومرت، زعيم الدولة الموحدية، شرح عقيدته في كتابه “أعز ما يطلب”، ووضع العلم في مقدمة الدولة، وكذلك فعل أفلاطون في جمهوريته، الأمر الذي أغرى ابن رشد، وجعله ينظر لشروط المجتمع الفاضل في ظل الدولة الموحدية، ويتخذ مرجعيته من آثار أفلاطون.(18) فرأى ابن رشد رأي أفلاطون، أن غاية التّربية هي بناء مجتمع عادل يتآلف من مواطنين أصحاء البدن والنفس. والفيلسوف المربي هو الذي يوجه الأفراد نحو الوظائف المناسبة لهم حتى يقوم كل فرد بما هو أهل له، وهذا يتطلب منه معرفة بطبائع الرّعايا، والتّشكيلة الاجتماعية، حتى يوفق في توجيه الأفراد الوجهة التي تستجيب لظروف الأفراد، وتلبي حاجات المجتمع، مع الحفاظ على التّوازن والاعتدال، والمجتمع العادل في رأي ابن رشد هو الذي يقوم فيه الفرد بمسؤولية واحدة لا يتعداها، والاعتدال سبب السّعادة والدّوام.
هذه التّربية تحدّد وظيفتها في حفظ الناشئة في بدنها حفظًا طبيًّا، وفي عقلها ولسانها حفظًا تربويًّا أخلاقيًّا… والفيلسوف المربي، حتى يوفق في ذلك، يجب أن يكون مطَّلعًّا على العلوم النّظرية، ومكتسبا حنكة الدهر، هذه الحنكة هي التي تدل على التّمرس بقواعد الصّناعة الفلسفية التّربوية، وتخرج عمله النّظري إلى التّطبيق والتّجربة.
ومن شروط المجتمع الفاضل: قيامه على علاقات تبادلية بين أطرافه، بحيث لا مجال فيه للانعزال والاغتراب والانكفاء على الذات…
6- الانعزال نزعة سلبية:
إن أبرز آراء ابن رشد: هي إيمانه المطلق بضرورة الانفتاح على الآخر، وعدم الانعزال والتقوقع على الذات؛ الذي يعتبره انحرافًا في السّلوك تترتَّب عليه مساوئ وأضرار اجتماعية كثيرة.
ينادي ابن رشد بتحقيق الانفتاح على مستويين اثنين: اجتماعي، وثقافي فكري.
أ- على المستوى الاجتماعي: لاحظ ابن رشد أنه في خضم الصّراعات والفتن السّياسية والفكرية… تنتشر النّزعة الانعزاليّة بين الناس على اختلاف طبقاتهم ووظائفهم، وهذه النّزعة علة تصيب الإنسان لخلل يلحق توازنه النّفسي، وهي تتعارض مع ما جُبِل عليه من ميول نحو الاجتماع والأُنس.
يرى ابن رشد أن حياة التّوحد والانعزال لا تثمر صناعات ولا علومًا، وواجب الإنسان أن يأخذ بنصيبه في إسعاد نفسه والتّمتع بفرص الحياة الدّنيوية وإسعاد المجموع… وهذا يقتضي من كل فرد أن يؤدي دوره الاجتماعي، ووظيفته المؤهل لها.(19)
وقد نالت المرأة أيضا حظّها من اهتمام ابن رشد ولم يهملها، فنادى بضرورة إشراكها في تحمل نصيبها من خدمة المجتمع، وأداء دورها في إنتاج الثروة المادية والثّقافية وفي حفظها، مثلها مثل الرجل. فعلى النّساء أن يقمن بنفس الأعمال التي يقوم بها الرّجال، ولا تقتصر وظيفتهن على النّسل وخدمة بعولتهن.. فإن ذلك مبطل لدورهن الحقيقي. وقد تطرق في كتابه بداية المجتهد لموضوع ولاية المرأة المناصب الإدارية والشّرعية كالقضاء… وأورد في ذلك أقوال عدد من العلماء والفقهاء. وكتب في جوامع سياسة أفلاطون: “ولما حرمت النسوة مشاركة الرجال في الفضائل الإنسانية، كان الكثير منهن شبيها بالنّبات، وكن عالات على الرّجال، فإنهن لا يقمن بالأعمال الضّرورية، بل يقمن بأعمال غير ذات أهمية تملأ الفراغ كالغزل والنّسيج”.(20) وهذا الكلام ينم عن احتقار للعمل اليّدوي المتمثل في الغزل والنّسيج، ولا نظن أن إماما فقيها مجتهدا، وفيلسوفا كبيرا كابن رشد يصدر عنه ذلك، لكن التّرجمة عن أفلاطون هي التي أوقعته في الغلط، ولم يلتفت إليه. إنّه لا يختلف اثنان حول الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للنسيج والغزل ولتربية الصبيان، لكن الفلسفة اليونانية تريد النّساء حكيمات مشتغلات بالنظر العقلي، والوظائف القيادية والولاية مثل الرجال. إلا أن القول يتضمن دعوة إلى إقرار حقها في التّعلم والتّكوين بشكل مساوِ للرّجل.(21)
ب ـ وعلى المستوى الثقافي الفكري يحث ابن رشد على ضرورة الانفتاح على الفكر الآخر، وعدم الانغلاق الثقافي، مع الحرص على إخضاع الفكر الآخر لأحكام الشّرع والنّظر في مدى موافقته لأحكامه. وفي ذلك اجتهاد وعمل عقلي لا يكتفي العالم المتعلم بما جاء به السّابقون: “يجب علينا، إن ألفينا لمن تقدم من الأمم السّالفة نظرا في الموجودات واعتبارا لها، بحسب ما اقتضته شرائط البرهان، أن ننظر في الذي قالوه من ذلك وما أثبتوه في كتبهم، فما كان منها موافقا للحق قبلناه، وسررنا به، وشكرناهم عليه، وما كان منها غير موافق للحق؛ نبهنا عليه، وحذرنا منه، وعذرناهم”.(22) وبهذا نضمن ممارسة المعرفة الحق والتّحرّر من الانغلاق الفكري والمذهبي، وتفتحا على الغير… والدّعوة للتّواصل مع الغير تتضمّن نداءً لاختراق أفكار وثقافات مغايرة، والتّفاعل معها.
وقد عبر ابن رشد عن تصوّر جديد لاختلاف الآخر المخالف لنا في العقيدة، تصور ناتج عن احتكاك ابن رشد بمجتمعات معاصرة له -مختلفة تماما- عايشها، وأخرى قديمة خبر أحوالها من خلال تراثها الذي قرأه ودرسه وبحثه. ويستفاد من آراء أبي الوليد أن الاحتكاك بالاختلاف يكون إيجابيا إذا كنا قادرين على مقابلته وموازنته بالنّظام القِيَمي الذي ننطلق منه، ونؤسس عليه مشاهداتنا وتأملاتنا للمغايرة والاختلاف. وهذا النّظام القِيَمي يجب أن يكون الإسلام.
فإذا كانت الحكمة حسب التّعريف الرُّشدي هي النّظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الخالق، فإن الشّريعة تُبَصِّر الإنسان بحقيقة الوجود؛ أي بالخالق والمخلوقات، وما بينهما من علاقة… وترسم إلى جانب ذلك منهجا للسّلوك الفردي والجماعي الكفيل بتحقيق سلامة الفرد والمجتمع، هاديا إلى الأسلوب الأصح في الممارسة والتّطبيق. والتّربية هي وسيلة الشّريعة في ضبط مسار النّاس وتوجيههم، وتبصيرهم بما يضمن سلامتهم، ويحقق كمالهم… وتزوِّد العقل المسلم بمعايير علمية للتمييز بين الخبيث والطّيِّب، وتشكّل معالم الشّخصية المسلمة مع الحرص على تحديد الهويّة الإسلامية، وإبراز معالمها وحمايتها من الذوبان في خضم الاحتكاك والتّفاعل مع الثّقافات الأخرى.
7- البعد التّربوي للشّريعة والحكمة:
يقول ابن رشد: إن الشّريعة تدعو إلى التّأمُّل والتّدبّر، وتوجب النّظر الفلسفي، واستعمال البرهان المنطقي لمعرفة الله والبرهنة على وجوده من خلال موجوداته، وساق لذلك آيات من القرآن الكريم تحث على استعمال العقل والنّظر في الموجودات.
ومما يراه أيضا: أنّ الشّريعة، وإن كان الوحي مصدرها، فهي لا تخالف العقل ولا تناقضه، “فالعقل يخالطها” والشّرائع العقلية الوضعية المجردة من الوحي تكون أنقص من الشّرائع السّماوية التي استنبطت من العقل والوحي.
والشّريعة هي صناعة مدنية ضرورية للاجتماع، تأخذ مبادئها من العقل والوحي، وتتضمّن توجها تربويا أساسه تربية الفرد حتى يغدو صالحا، يعمل على بلوغ كماله الإنساني، ويسعى لتحصيل سعادة نفسه وجماعته، في حياته الدنيوية والأخروية.. فهي ضرورية لتحصيل الفضائل الخلقية للإنسان، هذه الفضائل لا تتمكن إلا بمعرفة الله تعالى وتعظيمه بالعبادات المشروعة. ويقدم ابن رشد لذلك مثلا بالصّلاة التي هي ليست مجرد ركوع وسجود. بل لها بعد تربوي يتجلى في نهينا عن الفحشاء والمنكر.(23)
أما الفلسفة، “فهي تنحو نحو تعريف سعادة بعض الناس العقلية”، وسبيل ذلك تعلم الحكمة. وهي لا تتوجه للجمهور وعموم الناس، بل تقصد بخطابها فئة خاصة من الأفراد القادرين على استيعابها. وهذا الصنف الخاص من الناس إنما يتم وجوده وتحصيل سعادته بمشاركة الصنف العام. لذلك فالتربية الشرعية ضرورية وأساسية، لأنها تنشئ الأفراد عامة على الفضائل الشرعية، وتحقق تعليما عاما وضروريا، للفئة الخاصة الحكيمة.(24)
إن الشريعة تعم الناس كافة بالخطاب. وتربي الجمهور عامة، تربية أساسية مشتركة. فهي “تنحو نحو الحكمة بطريق مشترك للجميع.. لذلك فهي واجبة”. “ومع ذلك فلا نجد شريعة من الشرائع إلا وقد نبهت فيما يخص الحكماء وكتبت بما يشترك فيه الجمهور”(25)
إن التربية الشرعية تؤثر في وقت الصّبا والمنشأ، وعند الانتقال إلى زمن الرّشد، فلا يجب على الفيلسوف أن يستهين بما نشأ عليه من تربية دينية. بل عليه أن يتأول ذلك أحسن تأويل، وأن يعلم أن المقصود بذلك التّعليم الدّيني هو ما يَعُم، لا ما يخص.. فإذا نشأ الإنسان على الفضائل الشّرعية كان فاضلا بإطلاق.
والحكمة أيضا تتّفِقُ مع الشّريعة في هذا المنحى، وتدعو إلى تربية النّاشئة على الفضائل والأخلاق الحسنة. وتحذِّر مما يمكن أن يؤدي إلى عكس هذه النّتيجة. ففي جوامع سياسة أفلاطون رسم ابن رشد منهجا لتربية الصّبيان، اقترح فيه وسائل لحماية أخلاق الناشئة، وتربية أذواقها تربية سليمة.. وحذا في ذلك حذو أفلاطون في التّحذير من إسماع الصّبيان الحكايات الخرافية الكاذبة، فضررها يفوق ضرر إصابة جسم الصّبي بالثلج، على حد تعبير ابن رشد، “ونحذر –كما يقول أفلاطون– من أن نعوِّد نفوسهم سماع الأقاصيص السّافلة، أكثر مما نحذر من إصابة أجسامهم بالثلج”.(26)
كما يدعو إلى حماية النّاشئة من سماع سيِّئ الشّعر ورديئه الذي يتضمن دعوة إلى الرّذيلة والفسق والفجور، ويتعارض مع الأخلاق الحميدة والعفّة، ويهدد الفضيلة: “فاعلم أن أشعار العرب مليئة بهذه الأمور الشريرة، وضرره كبير على النّشْء في الصبا”.(27)
8- التربية الجمالية – حب الجمال:
ولما للشّعر من ارتباط مع الموسيقى، وكذلك بين صناعة الموسيقى والصناعة المدنية أو العلم المدني… درس من الدّروس يقدمه ابن رشد؛ متابعا في ذلك أفلاطون.
تدخل الموسيقى في التّربية إذن باعتبارها أداة يتوسل بها إلى حمل النّشْء على العمل بالفضائل، بل إن الموسيقى مما تحسن أخلاق الرُضع في المهد، فكُره الموسيقى هو بداية الانحراف في المدينة. وبقدر الابتعاد عن الموسيقى تفتقد الفضيلة. لذا يدعو ابن رشد إلى استعمال الألحان مع الأطفال وهم أبعد عن سن التّمييز، إذ أن هناك طريقين للتربية:
طريق الأقاويل الإقناعية والانفعالية، وطريق العقاب. والموسيقى ألصق بالطريق الأول الذي “يجري من بين طرق التعليم مجرى الطبع”.(28)
أكد ابن رشد كثيرا على أهمية الموسيقى في غرس حب القانون في النفوس، وفي تيسيرها للعقل لإدراك الفضائل، وأكد على أنها تؤدي في النهاية إلى حب الجمال. ونهى عن الابتذال والإسفاف في الموسيقى لأن في ذلك إفسادا للمجتمع.
انتصر ابن رشد للجمال وانتصر لكل ما هو جميل في تربية الإنسان؛ فالجميل عنده هو الذي يختار من أجل نفسه، ويتميز بأنه ممدوح وخير ولذيذ، ومن هنا كانت الموسيقى باعتبارها عشقا للحسن بالذات شيئا جميلا وكان التصوير باعتباره تجسيدا للفضيلة شيئا جميلا، وكانت الفلسفة ذاتها عنده أمرا جميلا. ويمكن القول إن كل ما يفضي إلى الجمال، عند ابن رشد، فهو مطلوب في التربية الجمالية لناشئة المدن خاصّة.
إن ابن رشد يريد لساكني المدينة من النّاشئة أن “يحاصرهم” الجمال من كل جانب، فيسمعوا ما هو خير، ويروا ما هو جميل، ويمارسوا بالتفكير والرّياضة الجمال نفسه، “حتى ترسخ فيهم الأفعال الجميلة من جميع الوجوه”. وتبدو هذه المحاصرة عندما يشبه ابن رشد المدينة بالسكنى في مكان سليم يعود بالنّفع على ساكنيه بما يتولد فيه من أرائج وخمائل وغيرها.. ولهذا يضع ابن رشد دستورا لكيفية التّربية في الاجتماع الكامل الفاضل ، وهو أن نبدأ أولاً بتربية الصغار، وقد قسم هذه التربية على مراحل، حيث في الصغر يتعلمون الرياضة لبناء الجسم السليم والموسيقى من أجل تربية الذوق السليم، ويعتقد أنّ هذه التربية :بالرياضة والموسيقى؛ يجب أن تكون مجتمعة؛ (بشكل جماعي) لا على انفراد.(29)
– مراعاة الخطاب الشّرعي لقدرات النّاس:
ويلاحظ ابن رشد أن أكثر الناس يصدّقون بالخطابة والجدل، والقليل جدا منهم يصدّقون بالبرهان، لهذا جاء الشّرع متّفقا مع الأغلبية، أي أن في ظاهره ما يرضي هذه الفئة الغالبة في النّاس، دون أن يهمل الفئات الأخرى وحاجاتها العقلية.(30)
ولما كانت طرق التصديق منها ما هي عامة لأكثر الناس، هي الخطابية والجدلية، والخطابية أعم من الجدلية، ومنها ما هي خاصة لأقل الناس وهي البرهانية. وكان الشرع مقصده الأول العناية بالأكثر من غير إغفال تنبيه الخواص، كانت أكثر الطرق المصرح بها في الشريعة هي الطرق المشتركة للأكثر في وقوع التصور والتصديق.(31)
فحري بالعلماء أن يقتدوا بذلك من جهتين:
1 ـ في خاصة أنفسهم، فالشرع لا يؤخذ كله على ظاهره بل على الخواص من العلماء أن يؤولوا ما يحتاج لتأويل حتى يدركوا حقيقته التي تتناسب واستعداداتهم وقدراتهم العقلية.(32)
2 ـ في تعليمهم الناس، حيث يجب عليهم، مراعاة لقدرات الناس العقلية، أن يحفظوا التأويل في نطاق رجال البرهان وفي كتبهم لحماية الناس منها. لأن التصريح بالتأويل لعامة الناس تترتب عليه مفاسد كثيرة أخطرها الكفر. وهذا الخطأ وقعت فيه كثير من الفرق الإسلامية التي صرحت بالتأويل لعموم الناس. فأشركوا السواد الأعظم من الناس في مسائل تفوق مستوى عقولهم. فأدى بكثير منهم إلى الوقوع في الكفر والانحراف الديني، مما يتناقض والغايات السليمة التي جاءت بها الشريعة وعلومها. ويتعارض مع الرسالة السامية التي حملها العلماء والأئمة المسلمون.
وقد نقل عن الصحابة أنهم كانوا يرون أنه ليس يجب أن يعلم بباطن الشرع من ليس من أهل العلم به ولا يقدر على فهمه. وفي ذلك يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال “حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟”
تدخل الموسيقى في التّربية إذن باعتبارها أداة يتوسل بها إلى حمل النّشْء على العمل بالفضائل، بل إن الموسيقى مما تحسن أخلاق الرُضع في المهد، فكُره الموسيقى هو بداية الانحراف في المدينة. وبقدر الابتعاد عن الموسيقى تفتقد الفضيلة. لذا يدعو ابن رشد إلى استعمال الألحان مع الأطفال وهم أبعد عن سن التّمييز، إذ أن هناك طريقين للتربية: طريق الأقاويل الإقناعية والانفعالية، وطريق العقاب. والموسيقى ألصق بالطريق الأول الذي “يجري من بين طرق التعليم مجرى الطبع”.
أكد ابن رشد كثيرا على أهمية الموسيقى في غرس حب القانون في النفوس، وفي تيسيرها للعقل لإدراك الفضائل، وأكد على أنها تؤدي في النهاية إلى حب الجمال. ونهى عن الابتذال والإسفاف في الموسيقى لأن في ذلك إفسادا للمجتمع.
انتصر ابن رشد للجمال وانتصر لكل ما هو جميل في تربية الإنسان؛ فالجميل عنده هو الذي يختار من أجل نفسه، ويتميز بأنه ممدوح وخير ولذيذ، ومن هنا كانت الموسيقى باعتبارها عشقا للحسن بالذات شيئا جميلا وكان التصوير باعتباره تجسيدا للفضيلة شيئا جميلا، وكانت الفلسفة ذاتها عنده أمرا جميلا. ويمكن القول إن كل ما يفضي إلى الجمال، عند ابن رشد، فهو مطلوب في التربية الجمالية لناشئة المدن خاصّة.
إن ابن رشد يريد لساكني المدينة من النّاشئة أن “يحاصرهم” الجمال من كل جانب، فيسمعوا ما هو خير، ويروا ما هو جميل، ويمارسوا بالتفكير والرّياضة الجمال نفسه، “حتى ترسخ فيهم الأفعال الجميلة من جميع الوجوه”. وتبدو هذه المحاصرة عندما يشبه ابن رشد المدينة بالسكنى في مكان سليم يعود بالنّفع على ساكنيه بما يتولد فيه من أرائج وخمائل وغيرها.. ولهذا يضع ابن رشد دستورا لكيفية التّربية في الاجتماع الكامل الفاضل ، وهو أن نبدأ أولاً بتربية الصغار، وقد قسم هذه التربية على مراحل، حيث في الصغر يتعلمون الرياضة لبناء الجسم السليم والموسيقى من أجل تربية الذوق السليم، ويعتقد أنّ هذه التربية :بالرياضة والموسيقى؛ يجب أن تكون مجتمعة؛ (بشكل جماعي) لا على انفراد.
لذا فإن واجب العلماء المربين أن يراعوا قدرات النّاس بالاقتصار مع العامة على تعريفهم بظاهر الشّرع، وعدم تجاوز ذلك إلى التأويل، وإن كانوا هم في خاصة أنفسهم مطالبون بالبحث عن معناه الباطن، لأنهم أهل لذلك قادرون عليه. فالطرق المشتركة لتعليم عامة النّاس وخاصتهم، والتي جاء بها الشّرع هي أفضل الطّرق للتّعليم. “إذا تُؤُمِّل الأمر؛ ظهر أنه ليس يَبقى طريق مشترك لتعليم الجمهور أفضل من الطّرق المذكورة” لأنها تخاطب الناس كل حسب قدراته واستعداده، وقصدها إفادة السّعادة الإنسانية بتعليمهم العلم الحق، والعمل الحق… وخلاف هذه الطرق تؤدي إلى قلة تقوى الناس، وإضعاف إيمانهم، ونشر البغض والكراهية والنّزاعات بينهم، وتفريقهم وتمزيق الشرع.(33)
ويضيف موضحا أن لا سبيل إلى تصحيح هذا الخطأ الكبير إلا بالرجوع إلى القرآن الكريم، والاقتداء بالخطاب الشّرعي في مراعاته قدرات النّاس العقلية، ومسلكه في تعليم الناس.
ولما كان لكل صناعة مبادئ، فواجب على النّاظر في تلك الصناعة أن يسلم بمبادئها. فلا يجوز لمتعلم الفلسفة التّكلّم ولا الجدل في مبادئ الشّرائع، وفاعل ذلك يحتاج إلى الأدب الشّديد. وإن تمادى الزّمان والسعادة بالمتعلم إلى أن يكون من العلماء الراسخين في العلم، فعرض له تأويل في مبدأ من مبادئها، ففرضه ألا يصرح بذلك التأويل، وأن يقول فيه كما قال سبحانه {والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} وهذه هي حدود العلماء. لأن العالم بما هو عالم إنما قصده طلب الحق، لا إيقاع الشّكوك وتحيير العقول.(34)
– تأثير ابن رشد في الفكر الأوروبي:
من معاينة الدّراسات الغربية نستدل على أن الغربيين في معظمهم ينكرون فضل الحضارة الإسلامية وأثرها في النهضة الغربية، إلا أن ديوي (الفيلسوف المربي) في محاضراته كان يؤكد على أن الغرب لا يذكر فضل الحضارة الإسلامية، وقال في إحدى محاضراته: إننا عادة نغض الطّرف عن الاعتراف بفضل الحضارة المحمدية وأثرها في الحضارة النصرانية، فلقد كانت الحضارة الإسلامية متقدمة بشكل كبير. هذا كان صحيحا في ميدان الفلسفة وأيضا في الميادين الأخرى” .(Dewey 1993, p.105) .
وفي كتابه: “نظرية الحياة الأخلاقية” تحدث ديوي عن دور الإقناع العقلي في غرس القيم والأخلاق – متأثرا بفكر ابن رشد- إذ يرى أنه لا يكفي المدح والذم، والثواب والعقاب، والتحليل والتحريم. لأن أساس الأخلاق ومضمونه هو معرفة أسباب العادات التي نقوم بها لنتأكد من المعايير التي تضمن أنها عادلة ، الذين يضعون القانون ويشاركون في إيجاد العادات المفترض أن تكون لديهم رؤية ثاقبة لحقيقة تلك الأسس وإلا فإنَّ الأعمى سيقود الأعمى.(35)
كما أكد جول سيمون “Jules Simon” على أهمية التربية الخلقية بقوله -متأثرا بالفكر الإسلامي والمدرسة الرشدية- :«ليست وظيفة المدرسة مقصورة على التعليم فقط، فإن بث الفضيلة والإقدام من أهمّ وظائف المدرسة.»(36)
وكذلك الأستاذ الباحث ” ستيوارت ماكلينكوك” قال مانصه: “إن أوربا بعد إن كانت تعتمد على الإفلاطونية والإفلاطونية المحدثة إنبهرت بأرسطو القرن الثاني عشر (والمقصود أرسطو إبن رشد) وذلك من خلال الترجمات اللاتينية لشروح إبن رشد العربية(37)
وكذلك كثيرا ما أشاد إنجلز (شأنه شأن ماركس) بإعجاب، بدور علماء العرب في النهضة الأوربية. فهو يقول عنهم هنا في سياق حديثه عن أبطال عصر النهضة: « لقد ورث المفكرون الأوربيون حرية الفكر المشرق، عن المفكرين العرب… وفي مقدمتهم ابن رشد»(38)
وهو يلتقي مع ابن رشد في نظرية الفكر الحر، وسلطان العقل، كطريق للتطوّر والرّقي.. بقوله: “ومن أجل تطوير قوى الانتاج، كان يتعين تطور العلوم الطبيعية. ومن أجل تطور العلوم الطبيعية، كان لابد من سيادة الفكر الحر. والفكر الحر يعني التحرر من كل سلطة معرفية غير سلطة العقل، أي أن الباحث في شؤون الطبيعة، يجب أن يكون متحررا من كل أنوع الأفكار المسبقة، كما يجب عليه ألا يتقيد إلا بالاستنتاجات المنطقية والتجريبية، التي يتوصل إليها عن طريق العقل، والعقل وحده”.(39) والتي يلتقي من خلالها أيضا مع الفيلسوف “هيجل” الذي لا يرى التطور الذاتي للطبيعة، بل هو ينظر إليها كمجرد امتداد خارجي ساكن للفكرة المطلقة).
وفي اللحظة الثالثة يظهر « العقل الكوني »، الذي هونفسه يخضع في حركة تطوره، إلى ثلاث لحظات:
1) العقل الذاتي (وهو الشعور، والتصور، والفكر…
2) العقل الموضوعي (وهو الدولة، والقانون، والأخلاق…
3) العقل المطلق (وهو الدين، والفن، والعلم…(40)
أما المفكّر الفرنسي آلان دوليبيرا فيقول: «كان ابن رشد راهنياً جداً في القرون الوسطى اللاتينية»، وهو «بحق من آباء أوروبا الروحيين»(41)
وتظل واحدة من القضايا التي تلقفها الفلاسفة الرشديين الفرنسيين هي ” نظرية الحقيقة المزدوجة ” التي حملها كتاب إبن رشد ” فصل المقال مابين .. ” والمقصود الفصل بين الحكمة والشريعة ، الفصل بين العقل والدين .. وهذه القضية وحدها تدعونا للإنبهار بأبن رشد .. وعلى هذا الأساس نظر الغرب إلى فيلسوف قرطبة كواحد من الداعين إلى العلمانية ، وظهرت في الغرب الكثير الكثير من المؤلفات بعنوان : إبن رشد الأب الروحي للعلمانية الحديثة.(42)
كما يتفق ابن رشد وسبينوزا في نقطة انطلاق أساسية وهي تحديد أنواع القدرات المعرفية للإنسان. فهما يتفقان في أن للإنسان ثلاث ملكات معرفية: العقل والحس والخيال. والعقل وحده هو الموصل إلى الحقيقة، والخطأ مصدره اختلاط الحقيقة بخداع الحواس وإيهامات الخيال. وقد ذهب ابن رشد إلى إرجاع الاعتقاد في جسمية الله وتشبيهه إلى سيطرة الخيال على تفكير الجمهور، فهم لا يستطيعون تصور شيء موجود إلا إذا كان جسماً. ولذلك أوصى بنهي العامة عن السؤال في الآيات التي تحمل في ظاهرها التشبيه والتجسيم، ويورد لذلك أحد الأسباب التي يقول عنها: “…أن الجمهور يرون أن الموجود هو المتخيل والمحسوس، وأن ما ليس بمتخيل ولا محسوس فهو عدم”.(43)
كما يتفقان كذلك في الذهاب إلى أن العقل وحده هو القادر على التمييز بين الصدق والكذب والحقيقة والوهم، أما الخيال فهو مصدر الخطأ.
– الخاتمة:
إن سبر أغوار فكر ابن رشد عمل لا يخلو من متعة ومفاجآت، رغم ما يكتسيه من مشقة. وهذا العمل لا يمكن أن يتم عبر وريقات قليلة تحاول أن تتصدى لجانب واحد من جوانب فكر ابن رشد. وأعني به الرّؤية التّربوية. فابن رشد فيلسوف كبير أثرى حياتنا بعطائه الفلسفي والفقهي.. وأثر بآرائه في كثير من المفكرين الذين استغرقهم هم تجديد العقل المسلم وتثقيفه.
كان ابن رشد فيلسوفًا مسلمًا كبيرًا ذا إيمان قوي، بذل جهده في الدّفاع عن العقل والفلسفة، والتقريب بينهما وبين الشريعة، وبرهن على أن الوحي والعقل لا يتعارضان. وحاول النّهوض بالعقل المسلم وتجديده، ووضع خطة لتربية الناشئة تربية عقلية مؤسّسة على الإسلام، تحقق معرفة بشرية طبيعية تمكن من فهم قوانين الطبيعة، والاقتراب من قوانين الوجود، تحترم العقل وتقدره، وتراعي القواعد الشّرعية في التفكير والحكم.
ويمكننا أن نجمِلَ افكاره التّربوية بما يلي:
– الايمان بالأسباب والمسببات، وتربية الطفل على الأخذ بمنطق السببية، “لكل شيء سبب وعلة لوجوده، والسبب لا يكون بدون مُسبب (خالق السبب)، والمنطق يتحدد بالقدر على الربط بين السبب والمُسبب…” وفي ذلك تركيز وتأكيد على التفكير العلمي والبحثي.
– اتباع طريقة الاستقراء، والبرهان في فهم الأمور، وحتى الشّرعية منها، فاذا ما توافق العقل مع الشّرع، فانه لا توجد هناك مشكلة، وإن اختلفا فانه يجب علينا أن نعيد تفسير الأيات تفسيرا يقبله العقل. (التربية على أخذ الدين بالعقل والمنطق)
– الحَسَن ما حَسَّنه العقل، والقبيح ما قبَّحَه العقل.
– التفكير العقلاني يعني عرض المرء أفكاره بطريقة منطقية تنم عن قدرته على كشف أسباب وجواهر الظواهر والأشياء. فالعقل هو الذي يدرك الأسباب والموجودات الطبيعية. وإذا رفعت الأسباب والمسببات رفع العقل. وإذا رفع العقل بطل العلم وحلت الظنون محل العلوم الحقيقية العقلية.
– الابتعاد عن التفكير الخرافي، فللخرافات تأثيرها السيء والقوي على التكوين النفسي للصبي بحيث يلازمه طيلة حياته، وقد يحول دون توافقه الذاتي السليم، ويعرقل اندماج الفرد في مجتمعه ويمنعه من أداء وظيفته الاجتماعية.
– إيلاء تدريس التاريخ والتراث، وعلوم السابقين… أهمية خاصة، لأن المعرفة تمثل تراثا إنسانيا عالميا، تثريه التّراكمات الناتجة عن إسهام وعطاء الشعوب المختلفة، فلذلك يصعب استغناء المتأخرين عن أعمال المتقدمين.
– التربية الذوقية والجمالية والحيوية… وتشمل الفن والموسيقى والرياضة، في سبيل تنمية وصقل الذوق السليم والحركة الفاعلة السليمة المنسجمة والمتناسقة…
– نادى ابن رشد بالتربية المسؤولة، ويقصد بها: الالتزام بحرية الإنسان واختياره. فالمربي هو الذي يوجه الأفراد نحو الوظائف المناسبة لهم حتى يقوم كل فرد بما هو أهل له. وهذا يتطلب منه معرفة بطبائع الرعايا والتشكيلة الاجتماعية حتى يوفق في توجيه الأفراد الوجهة التي تستجيب لظروف الأفراد وتلبي حاجات المجتمع، مع الحفاظ على التوازن والاعتدال. والمجتمع العادل في رأي ابن رشد هو الذي يقوم فيه الفرد بمسؤولية واحدة لا يتعداها. والاعتدال سبب السعادة والدوام.
– الحنكة في التربية أن تخرج الإنسان من حدود عمله النظري إلى التطبيق والتجربة. وهو بهذا يؤكد على ضرورة تعلم المنطق الرياضي المجرد القائمعلى المنطق الفكري والحسابي والتجريبي.
– التربية على ضرورة الانفتاح على الآخر، وعدم الانعزال والتقوقع على الذات الذي يعتبره ابن رشد انحرافا في السلوك؛ تترتب عليه مساوئ وأضرار اجتماعية كثيرة.
– التربية والتعليم في جو من السعادة، وبعيدا عن العنف الذي يترتب عليه ضمور القدرة على الانفتاح على الآخر.
– التربية على أن الاحتكاك بالاختلاف يكون إيجابيا إذا كنا قادرين على مقابلته وموازنته بالنظام القيمي الذي ننطلق منه، ونؤسس عليه مشاهداتنا وتأملاتنا.
– التربية الدينية واجبة، لأنها تكسب النّشْء القيم والأخلاق…
– سماع القصص الواقعية المفيدة التي تنمي المنطق، وتغذي الخيال، ولابتعاد عن القصص الخرافية الكاذبة.
– وطرق التعليم اثنان، التصور والتصديق. والتصور يكون إما بتصور الشيء نفسه، أو مثاله. والتصديق يكون إما بالبرهان أو بالجدل.
– على التربية أن تخاطب الناس كل حسب قدراته واستعداده، بقصد إفادة السعادة الإنسانية بتعليمهم العلم الحق والعمل الحق. (مراعاة الفروق الفردية في التربية).
– التربية للجمال، “غرس قيم الجمال وحب الجمال في النّفوس من أهم عناصر المدنيّة”.
– التربية يجب أن تنطلق من هدفين أساسيين: سلامة النفس، وسلامة الجسد، ما يستلزم التربية الرياضية، والتربية الموسيقية السليمة ومنذ الصغر.
***
الهوامش:
1- سير أعلام النبلاء جزء21 ص 307
2- معجم علم الأخلاق، بترجمة توفيق سلوم، دار التقدم، موسكو 1984.
3- أرنست رينان (ابن رشد والرشدية، ص 31 (http://www.islamweb.net/newlibrary )
4- مقال عقبة زيدان، الرشيدية بذرة العلمانية الأولى، 5/2/2008م جريدة الثّورة:
http://thawra.alwehda.gov.sy/_print_veiw.asp?FileName=93904859120080205101305lrhg
5 – عمارة، محمد، المادية والمثالية في فلسفة ابن رشد، القاهرة، دار المعارف، 1979، ص97 وما بعدها.
العلوي، جمال الدين، المتن الرشدي، الرباط، دار توبقال، 1986.
بدوي، عبد الرحمن، موسوعة الفلسفة، ج1، مادة ابن رشد، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1984.
6- الزبير مهداد، البعد التربوي لآراء ابن رشد الفلسفية، http://www.aljabriabed.net/n62_10mahdad.(2).htm
7- ابن رشد، تهافت التهافت، تقديم محمد العريبي، بيروت، دار الفكر اللبناني، 1993، ص193-229.
8- ابن رشد: فصل المقال، تقديم ألبير نصري نادر، بيروت، دار المشرق، ص28
9- شحلان أحمد، أبو الوليد بن رشد، الفيلسوف المصلح، كلية الآداب، جامعة القاضي عياض، مراكش: 1989، ص128.
10- المرجع السابق نفسه، ص218
11- ابن رشد، تهافت التهافت، ص296.
12- علي سعيد إسماعيل، أصول التربية الإسلامية، القاهرة، دار الثقافة، 1978، ص226.
13- المصدر السابق نفسه، ص226
14- ابن رشد، فصل المقال، ص32
15- أبو شوار، إبراهيم، الأسس التربوية لعلاقة الحكمة بالشريعة في فلسفة ابن رشد، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، عدد 55، ربيع 1996، ص158.
16- العشري، جلال، العقاد بين الغزالي وابن رشد، مجلة الفيصل، عدد 22، ربيع الآخر 1399، ص60.
و-عمارة، محمد، مقام العقل في مدرسة التجديد الديني الحديث، مجلة الهلال، يناير 1980، ص50.
17- عمارة، محمد، مقام العقل في مدرسة التجديد الديني الحديث، مجلة الهلال، يناير 1980، ص50.
18- شحلان أحمد، أبو الوليد بن رشد، الفيلسوف المصلح، كلية الآداب، جامعة القاضي عياض، مراكش: 1989، ص128.
19- علي سعيد إسماعيل، أصول التربية الإسلامية، القاهرة، دار الثقافة، 1978، ص226.
20- شحلان أحمد، أبو الوليد بن رشد، الفيلسوف المصلح، كلية الآداب، جامعة القاضي عياض، مراكش: 1989،
ص220
21 – شحلان، أحمد، المرجع السابق نفسه، ص220
22 – ابن رشد، فصل المقال، ص33
23- ابن رشد، تهافت التهافت، ص325
24- ابن رشد، تهافت التهافت، ص326-325
25 – المرجع السابق نفسه، ص325
26- شحلان، أحمد، مرجع سابق، ص218.
27- ش – شحلان، أحمد، مرجع سابق، ص218
28- شحلان، أحمد، مرجع سابق، ص218
29- إبراهيم عبد الله، أهمية الموسيقى في التربية عند ابن رشد،
http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?t=35627
30- ابن رشد، فصل المقال، ص23و18
31- ابن رشد، فصل المقال، ص51
32- ابن رشد، فصل المقال، ص35حلان، أحمد، مرجع سابق، ص218
33- الجابري، محمد عابد، بنية العقل العربي، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 1991، ص531.
34- ابن رشد، تهافت التهافت، ص56.
25- http://www.marefa.org/index.php
36- السيد خضر حسين، مقاصد الإسلام في إصلاح العالم،(ص.124، طبعة 1967).
37 – أنظر: ستيوارت ماكلينكوك، جون الأردين ومشكلة الرشدية اللاتينية، 1951
38- إنجلز – “جدل الطبيعة” – المطبوعات الاجتماعية – باريس – ص: 30-31)
39-“الطبقة العاملة الحديثة والنظرية الماركسية – عيون المقالات – الدار البيضاء (الطبعة الأولى – 1990) ص 93-143
40- )نفس المصدر السابق)
41- http://www.hekmah.org/portal
42- (أنظر: محمد جلوب فرحان : إبن رشد الأب الروحي للعلمانية الحديثة / بحث واسع نشرت منه صفحات على موقع مجلة أفيروس) .
43 – د. أشرف حسن منصور، ابن رشد وسبينوزا وعصر التنوير الأوروبي،
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=269091