كتب :الإعلامي حسن النجار / فلسطين
الشعر محطة أدبية قريبة من الناس، وسلاح المُقاوم العربي في وجه تزييف التاريخ، وطمس الحقائق، وتغييب العقول؛ انطلاقًا من هذا المعنى جرى سيل الشعر العربي في تحرير فلسطين، تحريرها في العقول من قيود العجز والتأخر التي نصبها لنا المُحتل وصغاره.
فرأينا محمود درويش الذي استل قلمه في وجه الاحتلال، فجالت قصائده الآذان كلها، وترددت أبياته التي تنصر الحق، وتجسد معاناة الفلسطيني في كل صباح منه .
منذ وقعت نكبة العام ١٩٤٨م، تحركت أقلام للدافع عن فلسطين قضيتنا، تاريخيًا وفكريًا، فخُطّت الأشعار، وغُلّفت الكتب، وغدت الكتابة عن فلسطين واجبا تتحمله الأمة، وأثار الكتاب في هذا الصدد، معانٍ كثيرة، فترددت على آذان الناس ألفاظ الأمة والهُوية والحضارة والمُقاومة، والاحتلال، نعم! كانت ولاتزال فلسطين صحوة تجمعنا من جديد حول معنى الأمة التي تقف وتبني ذاتها، وتمكن لأفرادها ثقافيًا وعلميًا، فلسطين الحرة وحدها من أصّلت للهُوية مكانتها في عقول الشباب حديثاً .
ماتزال القضية الفلسطينية في صدارة المشهد الثقافي العربي حتى وإن خفت التفاعل على حسب حجم التغول الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني لكن يبقى النبض القومي بالقضية الفلسطينية بقلب ووجدان الأمة العربية.
هذه الروايات رواية “عائد إلى حيفا” لغسان كنفاني والتي تطرح فلسفات عميقة حول معنى الوطن والهُوية وتعبّر بواقعية عن معاناة يومية، لا يلقي لها العالم بالاً، عن بكاء الطفل في أرضه، وموت الشاب في وطنه، عن سلب الحق من أهله.
منها ما يقول: “أتعرفين ما هو الوطن يا صفية ؟ الوطن هو ألا يحدث ذلك كله”. “فلسطين ليست ذكريات، بل هي صناعة المُستقبل”.
وجاء مريد البرغوثي بروايته “رأيت رام الله” ليضخم في عيوننا المأساة التي تتجدد مع كل شروق للشمس؛ إذ نقاط التفتيش والوجوه الإسرائيلية البغيضة، وفوهات البنادق التي لا تُنكس، وحال الأسرى والمُرابطين، وشجاعة الشهداء في لحظاتهم الأخيرة. منها ما يقول فيها: “الاحتلال الطويل الذي خلق أجيالًا إسرائيلية ولدت في إسرائيل ولا تعرف لها وطنًا سواها، خلق في الوقت نفسه أجيالًا من الفلسطينين الغرباء عن فلسطين، أجيالًا وُلِدت في المنفى ولا تعرف من وطنها إلا قصته وأخباره.”
وكتبت رضوى عاشور روايتها “الطنطورية” تسرد فيها معاناة قرية الطنطورة الواقعة على الساحل الفلسطيني جنوب حيفا؛ تعرضت هذه القرية عام ١٩٤٨ لمذبحة على يد العصابات الصهيونية.
بعض مما كُتب نُصرة لقضيتنا الأولى -قضية فلسطين- وتحريرها بعيدًا عن التزييف والتهميش المُتعمد، فالأعمال باقية لن تزول مهما تقدم الزمن، وستظل حاملة في طياتها الحقيقة التي جسدها أبناء فلسطين أنفسهم، ووقع هذه الأعمال في حلتها الأدبية العالية على العقل، تجعلك شريكًا رئيسًا في معاناة الفلسطيني اليومية، وتُريك الأحداث من نافذة واسعة.
الإخفاقات والخيبات التي رافقت الربيع وتلته أيضا لاسيما التحديات الكبرى التي ابتليت بها منطقتنا العربية والمتمثلة بالإرهاب التكفيري على إثر قيام ما سمي بتنظيم الدولة الإسلامية المزعومة إلى جانب جبهات وتيارات إسلامية.. كل ذلك جعل ما بقي في النفوس من آمال يتآكل ويتلاشى شيئاً فشيئاً. كان من تبعات ذلك التآكل والتلاشي أن القضية الفلسطينية ما عادت لها الأولوية والمركزية.
وليس غريبا بعد كل ذلك التدهور والتردي الكبيرين أن يكون الانهزام والتنازل والتطبيع والتهادن أمرا معمولا به تحت غطاء حل النزاع العربي الإسرائيلي بالطرق التي ترضي الكيان الصهيوني.
آفاق حرة للثقافة صحيفة ثقافية اجتماعية الكترونية