المارد المخبوء في الفانوس الرُّوحي والمادي للغرب

بقلم غمكين مراد(القامشلي _ سوريا)

العيشُ خارِجكَ والعيشُ داخلكَ وانتظارِ ما هو خارجك وانتظار ما هو داخلكَ، يُظَلَّلُ بخوفٍ مُريِّب، تَشذِّبُ من روحِكَ أعمق لحظاتِ اللهفةِ وأشجى لواعج اللوعةِ الحارِّقةِ لما بهما يستكينُ لكَ أو يدوم ولا يتم تركُ الحياتين والانتظارين من دون استكانةِ شيء.

في الكُلِّ المُحيطِ بكَ خارجاً، في الكُلِّ المُتصارعِ فيكَ داخلاً، لا تهنأ بأيِّ حالٍ من الأحوال بما تطيبُ لها نفسكَ وبما تمتلئ بها رُوحُكَ، تبقى الثغراتُ القاتلةُ تُهدِّدُ في كُلِّ لحظةٍ شغفك وحتى وجودكَ، بقدرِ ما كانت سُلماً في طلوعِكَ وأرضاً لبقائكَ.

في كتابِه: ” أعداء الديمقراطية الحميمون ” وبعيداً عن الوقائع والأحداث والأسباب والنتائج التي آلت إليها ثورات وحروب الشرق الأوسط في دول الربيع العربي وبعيداً عن الاتفاق والاختلاف مع تحليله ووجهة نظره، يُسلِّطُ تزفيتان تودورف الضوء على المارد المخبوء في الفانوس الرُّوحي والمادي للغرب، بحسب الموقف من تلك الأحداث وبحسب ما تعيشُهُ هي من وقائع ومستجدات في خضمِّ هذا القرن المحوِّل الكون إلى دائرةٍ يعودُ كُلُّ ما يسيرُ فيها من نفسها إلى نفسها، دائرةً حولَ مركزٍ بقدرِ ما هو أمل، بقدر ما أصبح عالةً للفناء، وبقدر ما هي راحة بقدرِ ما هي خسرانٌ للذات: ” فقد تشكلت لدينا قناعة، اليوم بأن العلم الذي يمدُّنا بالأمل تجاه المستقبل هو نفسه مصدرُ الأخطار التي تتهدَّدُ بقاءَنا”.

تودوروف ومن خلال تعريفه للنظام الديمقراطي: ” يمكن تعريف النظام بأنه مجموعة من الخصائص المُجتمعة التي تُكوِّنُ مُركباُ مُعقداً تتمايزُ في داخله حدودها وتوازناتها بشكل متبادل”، يلِّجُ أعمق إلى ما يتمخَّضُ منه أعداء.. رغم تسميته لعم بالأعداء الحميمون: ” …الشعبوية والليبرالية المتطرفة والمعادية المسيحانية” إلا أن سمة الأعداء طاغية في الذهاب بالنظام والمجتمع إلى حدِّ الفناء، والإلغاء ومن ثم كنظرية البينغ بانغ حين تشكل الكون، هناك في داخله يعتلجُ ما يؤدي بالكون إلى هباءٍ منثور.

في كُلِّ الصراعات وعلى كافةِ الصُعد: اقتصاداً، اجتماعاً، سياسةً، ديناً…. دائماً هناك لبوسُ الخير كقناع، كُلُّ الأطرافِ على حدٍّ سواء يُنادون باسم الخير، الكُلُّ يتناسى الشرَّ المُستعِّر في الدواخل، من هنا يُعيدُ تودوروف جميع المجازر والضحايا المُرتكبة باسم غير الحرب إلى نفس السوية من الضحايا في الحرب، منها الضحايا باسم الديمقراطية أو باسم محاربة المخدرات وذلك تحت غطاء أمان وحماية الشعب، لأنه: ” ليست المجازر المرتكبة باسم الديمقراطية بأقلِ وطأةٍ من تلك التي يُسبُبها الإيمانُ بالربِّ أو الله أو القائد أو الحزب،.. فجميعُ هذه تؤدي مصائبِ الحرب بالذات”.

لا يكونُ الخلاص بحسبِ تودوروف إلا ذاتياً: ” الخلاص إذاً أمرٌ تُقرِّرُهُ أعمال الإنسان وليس النعمة الإلهية”، أي أن كُلّ اللوم والعتاب إلى الإله لن يكون ذات جدوى، حتى الثورة إن لم تبقى إطاراً داخلياً لن تؤتي إلا مزيداً من مما يُضنِّك الحياة والعيش والخوف، لأنها تتحول في النهاية إلى حربٍ خارجها: ” إن الثورةَ حربٌ داخل البلاد، والحربُ هي مواصلةٌ للثورة خارجها.”

يعيدُ تودوروف كُلّ هذه الصدامات وكُلّ هذه الحروب وكُلّ هذه الضحايا والقرارات والقوانين التي تتناقض مع ما هو مُعلن في الغرب كمثل الديمقراطية إلى الخوف من العدو الساكن داخلنا، العدو الذي يُعرِّينا ويعرِّفُ مدى ما نملكُه وما لا نملكُه، وما نستطيع أن نزينُه ونرِّدُّه بعكس ما تتطلبُها القيم الإنسانية والعدالة والقوانين واحترام حقوق كُلّ الكائنات: ” إنَّ التعرُّفَ إلى العدو القابع داخلنا يُخيفُنا أكثر من الاعتقاد بأنه بعيد ومختلف عنَّا تماماً”.

إذاً مكمن الأعداء المُفقرين لذاتنا الإنسانية ولقيمنا الاجتماعية وبذات الوقت المُتلفح خوفنا يكمنُ بداخلنا رغم كُلّ ما يجعلنا في تقدُّم وراحة من وراء التقنيات التكنولوجية يبقى هناك شمولية ذات تخنقُ حقائقنا بمشنقةِ أوهامنا.

 

 

الكتاب:أعداء الديمقراطية الحميمون

الكاتب: تزفيتان تودوروف

ترجمة: د.مناف عباس

مراجعة: د.جمال شحيد

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب وزارة الثقافة ط1 2021

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!