بقلم: الدكتور محمد سيف الإسلام بوفـلاقــــــة
كلية الآداب واللُّغات، جامعة عنابة، الجزائر
لا يملك المُتتبع للحركة العلميّة والثقافية ببلادنا إلا أن يُثني على المبادرة العلميّة والحضارية المتميّزة التي قام بها الـمجلس الأعلى للّغة العربيّة في الـجزائر مؤخراً؛ وذلك احتفاء باليوم العالمي ّ للعيش معاً بسلام، حيث أقام ندوة علميّة متميّزة بعنوان: «تعليم اللُّغة الانجليزية لتلاميذ المرحلة الابتدائيّة خيار استراتيجي: أم استيعاب لغويّ تحوّل –انتقال؟»، وقد شارك فيها لفيف من أساتذة اللُّغة الانجليزية والعربية، و نخبة من المفتشين التربويين؛ وفي مقدمتهم مفتش الانجليزية لوزارة التّربيّة الوطنيّة، بالإضافة إلى خبراء في مجال التعليميّة من شتى الجامعات الجزائرية والدولية، ومن بينهم: الدكتور رضا روابحية من جامعة كارابوك في تركيا، والدكتور فتحي بوقفطان من المركز الجامعي في تيبازة، والدكتورة نادية حسناوي، والدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة من كلية الآداب واللُّغات بجامعة عنّابة.
وقد استهلت الندوة بإلقاء كلمات شرفيّة من لدن خبراء في اللُّغة الانجليزية من وزارة التربية الوطنية، إضافة إلى كلمة الأستاذ الدكتور صالح بلعيد؛ رئيس الـمجلس الأعلى للّغة العربــــيّــــة، و توزعت جلسات الندوة على مجموعة من المحاور، من بينها: مسيرة تدريس اللّغات في الجزائر، و تحدّيات اِعتماد الإنـﮔليزيّة في المرحلة الابتدائيّة، و سُبل نجاح تعليم لغة أجنبيّة في المرحلة الابتدائيّة، و تعليميّة اللّغة الإنـﮔليزيّة في المدرسة الجزائرية، و اِنعكاسات تعليم اللّغة الأجنبيّة في تحقيق الأهداف التّعليميّة المرجوّة، و الخدمات المرجوّة من تعليم الإنـﮔليزيّة في تحقيق أهداف الأمّة الاستراتيجيّة (سياسيا، اقتصاديّا، ثقافيّا )، و علاقة تعلّم اللّغات الأجنبيّة بالتّحصيل الدّراسيّ، و أفضل تطبيقات تعليم الإنـﮔليزيّة لتلاميذ المرحلة الابتدائيّة.
وقد حدد المجلس الأعلى للُّغة العربية بالجزائر الأهداف المرجوة من تنظيم هذه الندوة في: الفصل في جدل جدوى تعليم لغتين أجنبيتين لتلاميذ المرحلة الابتدائيّة، و دعم قرار رئيس الجمهوريّة في إدراج تدريس اللّغة الإنـﮔليزيّة في المرحلة الابتدائيّة والمساهمة في إنجاحه وترقيّته إلى ما هو أفضل، و معرفة اِستعدادات وزارة التّربية والتّعليم لإنجاح قرار تعليم اللّغة الإنـﮔليزيّة في هذه المرحلة، و الكشف عن تأثير تعلّم اللّغة الإنـﮔليزيّة في المرحلة الابتدائيّة على اللّغة الأمّ وعلى اللّغة الفرنسيّة، و ترقيّة تعليم اللّغات الأجنبيّة في المدرسة الجزائريّة.
وقد جاء في الورقة العلميّة التي أعدتها اللجنة العلميّة للندوة : « يُعدّ تعليم اللّغة الإنـﮔليزيّة بوصفها لغة ثانية من المواضيع الهامّة التي نالت حظّها من الدّراسة والاهتمام؛ نظرا لاستعمالاتها العالميّة خصوصا في مجال البحث العلميّ وتزايد هذا الاهتمام بعد أن أدرکت الجزائر ممثّلة بوزارة التّربيّة والتّعليم الوطنيّ ضرورتها عندما اِعتمدت في تدريسها اللّغة الإنـﮔليزيّة في المرحلة الابتدائيّة بوصفها مادّة تدريسيّة أساسيّة ينطبق عليها ما ينطبق على المواد الدّراسيّة الأخرى، فعمدت على إدراج تدريسها في السّنة الثّالثة من التّعليم الابتدائي، وحافظت على تدريس اللّغة الفرنسيّة بدءًا من السّنة الرّابعة من المرحلة نفسها. وقد جاء هذا تنفيذا لقرار مجلس الوزراء؛ الذي ترأّسه رئيس الجمهوريّة السّيد )عبد المجيد تبّون) بتاريخ 20 جوان 2022، والذي تمخّض عنه قرار تدريس اللّغة الإنـﮔليزيّة بصفة رسميّة بدءاً من المرحلة الابتدائيّة کمادة أساسيّة، فاللّغة الإنـﮔليزيّة ّ لغة عالميّة، وهي وسيلة اِتصال ليس فقط بين متحدّثي اللّغة الإنـﮔليزيّة کلغة أمّ، ولکنّها باتت وسيلة اِتّصال بين کثير من المتحدّثين بها کلغة ثانية، فهي اللّغة التي تُستخدم في الحياة اليوميّة في كثير من المؤسّسات خاصّة في ظلّ الانفتاح السّياسي والاقتصادي الذي عرفته الجزائر في الآونة الأخيرة، وقد أثار قرار الرّئيس الجزائري (السّيدعبد المجيد تبّون) بخصوص البدء في تعليم اللّغة الإنـﮔليزيّة في المرحلة الابتدائيّة الكثير من التّساؤلات؛ كما خلق جدلا بين فئات المجتمع الجزائريّ ، فمنهم من رحّب بالقرار ورآه مشروعا تعليميًا، حضاريًا، هُوياتيًا، وخيارا اِستراتيجيًا موفّقا من شأنه أن ينقل التّعليم في البلاد إلى الأمام. وبعضهم ربط هذا القرار بمحاولة التّخلّص من اللّغة الفرنسيّة، فيما رأى بعض آخر أنّ هذا القرار يعدّ مجازفة بخاصّة وأنّ قطاع التّعليم في الجزائر مريض إن صحّ التّعبير، ومشكلته ليست مشكلة تعليم لغات فحسب، بل تتعدّاها إلى أمور أخرى تتعلّق بالمناهج وطرق التّدريس وبكفاءة المعلّمين وتكوينهم.
الإشكاليّة : يدور النّقاش في الميدان التّربوي والتّعليمي اليوم حول قضيّة تعليم أكثر من لغة أجنبيّة في المرحلة الابتدائيّة في المدرسة الجزائريّة، ومدى اِستفادة المتعلّمين في هذه المرحلة من هاتين اللّغتين، وهذا ما اِقتضى طرح الإشكاليات الآتيّة:
– هل الطّفل في المرحلة الابتدائيّة بحاجة لـتعلّم اللّغة الإنـﮔليزيّة، أم أنّ تعلّمها بات ضرورة بيداغوجيّة، وحاجة علميّة وثقافيّة واِقتصاديّة وسياسيّة ؟
– ما النّتائج المترتّبة عن إدراج تدريس الإنـﮔليزيّة في المرحلة الابتدائيّة؟ وهل يعدّ ذلك أفضل السّبل للقضاء على تدنّي مستوى التّلاميذ في المرحلة المتوسطة والثّانويّة؟
ما مدى إيجابيّة تدريس أكثر من لغة في المرحلة الابتدائيّة؟ ».
لقد شارك في فعاليات هذه الندوة التي أشرف على تنظيمها المجلس الأعلى للّغة العربية برئاسة الباحث الأستاذ الدكتور صالح بلعيد نخبة من الباحثين والدارسين، والأساتذة من مختلف الجامعات الجزائرية ،وتنوعت العناوين والموضوعات التي تناولها المتحدثون في سياق تعرضهم لمختلف القضايا التي تكتسي أهمية بالغة،و تتصل بهذا الموضوع، وقد تطرقت رئيسة الندوة الأستاذة آمال حمزاوي؛ إلى جملة من القضايا المهمة، وقد توقف الباحث الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة؛من كلية الآداب واللُّغات بجامعة عنّابة، في مداخلته التي كانت الأولى في الجلسة العلميّة الأولى مع جملة من القضايا التي تتصل بتعليمية اللُّغات، وقد عنوّن مداخلته بـــ: « تعليمية اللُّغات الأجنبية في المرحلة الابتدائية -بحث في سُبُل النجاح-»، وقد ذكر في مستهلها: تُواجه تعليمية اللُّغات الأجنبية في المرحلة الابتدائية صعوبات جمّة؛ نظراً لحدوث جملة من المتغيرات التي فرضت إعادة التفكير في طرائق تعليم اللُّغات، ويشهد ميدان تعليم اللُّغات الأجنبية حركة نشيطة ترمي إلى تيسير سبل تعليمها على أسس علميّة وتربوية سليمة؛ وذلك استجابة للإقبال المتزايد على تعلم اللُّغات الأجنبية في شتى بقاع العالم.
ولا ريب في أن النهضة العلميّة والتكنولوجية ترتكز على تطور التعليم وترقية وسائله المادية والبشرية، وتقتضي حتماً التأمل في جميع المشاكل التربوية التي تقف حجر عثرة في سبيل تحقيق علم تعليم اللُّغات أهدافه، ومن المعلوم أن طرائق تدريس اللُّغات في وقتنا الراهن أصبحت أكثر الميادين التطبيقية تأثراً بتطور البحوث العلميّة في مجال النظريات اللِّسانية الحديثة، وكذا في ميادين الأبحاث التربوية والنفسية واللُّغويّة المُتصلة بآليات اكتساب المهارات اللُّغويّة، أو في ميدان التجارب والاختبارات العلميّة لطرائق تعليم اللُّغات بأحدث الوسائل التقنية ، والحقيقة أن الطرائق الشائعة اليوم في مجال تعليمية اللُّغات الأجنبية في أمس الحاجة إلى أبحاث علمية جديدة تواكب تطورات العصر الحديث، وتُزوِّد المُهتمين بالمعلومات المحسوسة للنهوض بعلم تدريس اللُّغات، والرقي به إلى مستوى الفعالية؛ وهذا الأمر يتطلب الإفادة من الأبحاث في العلوم المتعددة، واستثمار مُنجزات العصر التقنية والحاسوبية في مجال علم تدريس اللُّغات، كما يقتضي تضافر جهود الباحثين في ميادين مختلفة.