المرأة وفلسفة القهوة .. جديد الدكتور سمير محمد ايوب

بقلم:نوال عايد الفاعوري

الذين يضيِّعون مفاتيح منازلهم، فيغيرونها مخطوفي الفؤاد وجلين،خيفة أن يسرقوا، لا يدركون أن السارق الحقيقي لايدخل البيوت مِن أبوابها أبدا، وإن تبرجت أمامه مفاتيح العالم جمعاء.
سيغير اللصوص عاداتهم هذه المرة، ويدخلون البيوت من أبوابها غير وجلين.
راودهم الباب عن أنفسهم واللصوص تغريهم أحاديث الأبواب ! ولكنهم ما جاؤوا اليوم سارقين فقد خلعوا أكياسهم عند العتبة وما اصطحبوا غير قلوبهم !
فالقلب الواحد يسع من الحروف ما لا تسعه كل الأكياس !
لسنا أول من يقتحم بيتاً في غيبة صاحبه ، سجلت الخرافة أن “بياض الثلج” اقتحمت بيت الأقزام السبعة ، وسجلت أيضاً أن “علي بابا” كان قد اقتحم مغارة اللصوص الأربعين أيضا، فليسجل الواقع هذه المرة أن اللصوص سيقتحمون بيت سمير ايوب بحثاً عن حرفٍ.
غير أننا لن نعد له حساء ساخناً، فليتدبر أموره بنفسه.
فقط سنستضيفه في عقر داره، وعلى فنجان قهوة من بُنِّهِ!
لا تستهينوا بأحاديث القهوة ، ولا تسألوا أنفسكم ذلك السؤال الساذج، الذي يسأله أولئك الذين لا يعاقرون البن : ماذا بإمكان فنجان قهوة أن يفعل!
الشفاه تلملم كل ما تبقى من إنسان، وتكتبه على حافة الفنجان. حبيبات سوداء تأخذ منك اسرارك. وتنثرها على جدران فنجان ابيض. تترك الفنجان حائرا في يدك، تنظر لتلك الخطوط والنقاط والرسوم باندهاش.
لماذا تشعر بأنها تحادثك، تود ان تخبرك بشيء ما،
تصرخ فى وجهك، ولكنك لا تفهمها. فتزداد تشبثا باناملك، وتزداد انت الحاحا.
الا تكونين اوضح ؟!
اخبرينى باسراركِ ، بالسر المكنون.
بوحي!
ولا تبوح لك!
تبتسم لك، ولكن لا تخدعها ابدا ابتسامتك.
القهوة ليست بمشروب، إنها حكايات وروح تتجمع ببطء، على تلك الشعلة الضعيفة، لتمتزج بهدوء وسكون، وتقترب حبيباتها، ولكنها أبدا لا تتلاشى.
إنها تحتفظ بكيانها وبتكوينها، وتمنح منها الكثير وتأخذ من روح من يُحضِّرها السر، ليسكن بين الحبيبات، ويسكبه في الفنجان، فيتناوله أخر، فيكتشف الأسرار ويبوح بالأسرار.
القهوة عشق وشغف!!!
هي مذاق الذكريات. ونكهة البدايات، بدايات اليوم، وبداية الحب، وبداية اول دقه قلب.
هي الشاهد على اغلى جلسات الأهل، وأجمل جلسات الغزل، وتفاصيل جلسات الأصدقاء.
هي الشوق حين تشتاق وتحن، لان مذاقها مختلف مع كل شخص يشاركك إياها، حتى وإن كانت القهوة واحده.
القهوة مع الاهل تختلف عنها مع الاصدقاء، وتتغير مع من تعشق.
القهوة لا تشرب منفردة، انما بكافة تفاصيلها، باليد التي أعدتها، بالطبق الذي تحمله، بعِرْقِ الياسمين او كاس الماء المعطر بعطر الورد جانبها، بتوقيتها صباحا عصرا أو مساء، او بسهرة طويله مع ذاك الفنجان.
بمن يجلس معك وانت تشربها. بمن تفكر فيه وانت تشم رائحتها. القهوة عالم لمن يعشقها. صديق لمن يبوح لها.
روايه كامله لمن يعيش معها تفاصيل يومه، سادة كانت أم تعانقها ذرات السكر.
هي رفيقٌ للجميع، وشاهد على جلسات نشتاقها، ونحن لها. في كل مره نجتمع بها، رائحتها تعبق بالمكان
أنشبه تلك الحبيبات حين ننضج على النار الهادئة بشكل أفضل؟!
أنشبهها حين نقترب ونمتزج دون أن نتلاشى؟!
ألهذا لا تُشرب القهوة الحقيقية، الا في حضرة البوح
وفى حضور من يمنح لها السر، ويحتضن منها الروح؟!
الكتّاب هم أولئك المتهالكون، الذين لم يبق منهم غير رمق أخير، يحولونه إلى حرف غير عابئين بانقطاع النفس.
الذي يعنينا اليوم، هو سميرأيوب، الكائن الكتابي الذي يحاول ألا يغرق داخل الدواة، وأن لا يضل الطريق في متاهات السطور فيفشل مره ويفلح مرات.
سنجمع رفاته المتناثرة في أكثر من روضة / نص. وهل الكتابة إلا إنباتا يومي وإزهارا ؟!
لن ندرس سمير كما يفعل التلامذة : هذه مفردة تليق بأختها ، وتلك مفردة تكره النص الموجودة فيه ، سنبحث عن الإنسان بين الكلمات ، عن ذوبان الروح في الدواة ، سنستدرجه إلى حيث الطاولة المستديرة في مطبخه، حيث دلة القهوة الساخنة والفناجين المنتظرة ، هناك سيكون اللعب مكشوفاً ، هناك لن يكون بمقدوره أن يرتدي فصله الخامس ، سيكون بطعم فصولنا الأربعة ، سنتسكع معه على الرصيف ،
وسيجلس معنا على الطاولة منزوعا من كل الأقنعة والوجوه، التي يرتديها الكتّاب عادة ، ليواروا انكساراتهم وخيباتهم ، لن يجرؤ أن يبلغ الشرطة عنا فاطمئنوا.
وأنا سأكون معكم ، أصب لكم القهوة ، قهوته هو ، بفناجينه هو ، وما عليكم إلا أن تشربوا.
فهاكم سمير ، انهبوه حتى آخر حرف بلا تأنيب ضمير.
أشربوا قهوته حتى آخر قطرة في الفنجان.
إثملوا ، ما حروفه إلا سُكر حلال، والقهوة تكفي الكل ، وللكل من الشجن نصيب!
إهداءات .. مجانية
إلى الأطفال الذين نسوا على قارعة الوقت أن يكبروا،
إلى الأفواه التي تعض على الوسائد لإسكات بكاء إن بدأ لن ينتهي ، للمتأخرين عن قطار أحلامهم ، لزوار رياض النصوص وقبورها ، للأشجار، للرسائل التي ضلت الطريق لصناديق بريدها، الى الاصدقاء الرائعين، الذين يطلون من صندوق الوارد، وتحملهم دون تأفف ذاكرة الهواتف. للأحبة الذين لبسوا الغياب
كثوب موحد ، واصطفّوا على مدى الذاكرة لينشدوا
موال الرحيل، لنفس الأحبة حين ذابوا بين منعرجات هذا القدر، و لهم حين رحلوا تاركين خلفهم قلوبنا كأثر
للأقفال المتنكرة لمفاتيحها، للكلمات المنسية، للأصدقاء ، للأحبة ، لكم جميعاً في جرحه وبُنِّهِ مُتَّسَعٌ.
هذا هو سمير ايوب، يكتب بشغف وكأنه يعتصر روحه في الكلمات. صاحب القلب الأخضر الذي يرسم دوائر مغلقة حول الفكرة و المعنى، فلا تجد من يشبهه في ضبط إيقاع المعاني، وفق مزاجه واحساسه وحالته النفسية.
ولكن بكلمة واحدة، يمكن أن يسحبك إلى الفخ. تصبح شريكا في الفكرة و المعنى والوجع. يربكك بقدرته على السير على حوافي جرحك وكأنه جرحه.
عندما تقرأ له لأول مرة تشعر بأنك تقتحم فضاءه الخاص. ولا شأن لك بما يكتبه ولكن بعد السطر الرابع تشعر وكأنك ممدد على اريكة مريحة، في إحدى عيادات الطب النفسي، تكلّم نفسك، وتعيد رواية قصتك، كما لم يحدث أن فعلت. تنتهي من قراءة النص وتغادر جلسة العلاج، وأنت خفيف تماما وكأنك تجلس على غيمة وتراقب العالم من فوق..
وهذا ما يحدث دائمًا، عندما انتتهي من قراءة كتاب جيد، اشعر بأني امارس الطقوس السخيفة للوداع مع أحد هؤلاء النائمين داخل قلبي. اتحسس الغلاف واضعه بجانبي، اتحدث إليه بنبرة خافتة :”لماذا تريد أن تنتهي هنا أيها الوغد اللطيف؟.” ويظل أمامي فترة طويلة حتى اجد له مكانًا بائسا في المكتبه.
من العظيم ، ان تستمتع بمشاهدة مقطع سينمائي داخل نص صغير.
شكرًا للأشخاص الذين يصورون لنا المشاهد داخل نصوص صغيرة، وكأننا سطور داخل الصفحة، وكأننا حبر في قلمه واختلطنا مع الأحرف..
شكرا دكتور سمير، لن أقول أنك تفوقت على نفسك ، لأنك فعلت ذلك من قبل. هذه المرة تفوقت على كل توقعاتنا كقراء.
شكرا على هذه المجموعه القصصيه والتي عيبها الوحيد أنها تنتهي.
أما أنا فأحب قهوتي مرة، خاليه من أيِّ إضافات. فالقهوة لا تصبح صديقتك الحميمة، الا حين تكون مثلك وحيدة لا تمتزج إلا بأنفاسك . مجرد حبيبات بن تشاركني الحلم والأسرار وأمسيات البوح وأنت.
احلم بفنجان من القهوة، يعده لي شخص ما، يأتيني به ونجلس معا، نحرك حبيبات القهوة وسنوات العمر، وكثيرا من الحديث، الذي يحتضنه الفنجان. ويبتسم لنا وجه الفنجان، ويرسم بحبيبات البن السمراء، كثيرا من الحكايات على جدرانه البيضاء، وينتظر أن نهمس بما كتب.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!