المعزاج في ذاكرتي/بقلم:عمر القيفي( اليمن)

هكذا هي حارتي ، حارةٌ ممزوجة بين الحضر
والريف ، فلا هي مدينة مكتملة الخدمات
معبَّدة الطرقات ، ولا هي ريفٌ نائيٌ بعيد
منعدم الخدمات تماماً ، لكنها حارةً ممزوجة
بين المدينة ، والريف ، فلها من الزمان
والمكان حضور ، لها هدوء الريف وضوضاء
المدينة ، ونقاء جو الريف ، وتلوث وجه
المدينة، هي مثل أهلها الوافدين من كل
القرى تماماً ، تعيش بين وداعة وطيب
بعض سكانها أحياناً ، ونزق وسفالة البعض
منهم .
ورغم كل ذلك ما زالت أكنُ لها وجميع
أهلها الحبُ والإحترام ، لأن بها شبهٌ كبير
بالريف الذي أعشقهُ كثيرًا ..
ولأني قروي المنشأ والولادة فما زال جمال
الريف يسكن شوارع قلبي ، يسقيها رشفات
الذكريات القديمة ، ويطربها بجمال ونقاء
الريف الذي رضعتهُ في صغري مع حليب
أمي حين كنتُ أصحو على صوت ديك
جارنا القديم ، الذي كان من أكبر وأشهر
ديوك قريتنا النائية البعيدة ، وحين تشرق
شمس الصباح البهي ما أفتى أن أجمع
شويهاتي ونعاجي ذاهباً بهى نحو وادي
الضيعة القريب ..
بين صياح الديوك ، وثغاء الشاة مجرد
سويعات فلأول يودَّع ظلام الليل الرهيب
ليخبر الناس أنَّ هناك خيط صباح لاح ،
والثاني يرقص فرحاً حين يرمي من على
معصمهِ قيود السجن الرتيب ويستقبل
الدوح منتشياً طربا بين وديانٍ وهضاب .
كبرتُ وهجرتُ القرية تماما ، وحدهُ الحنين
الذي مازال محفوظاُ بشريطهِ القديم في
الذاكرة لم يفارقني أبدأ ..
ولأنَّ لحارتي شبهٌ بذلك الريف الذي نشأتُ
وترعرعتُ فيه ، فما زال إلهامٌ يدغدغُ مشاعري
يسقيني عبق الحروف المتناثرة على الورق
الآن ..
كمثل طفلٍ صغير يبحثُ عن لعبته المفضلة
التي اختفت عنه فجأة بين رفوف دولاب
أمه الكبير .. فتراه يبعثر كل ما فيه على
سطح غرفتها دون آبهٍ لذهيباتهِ ومقتنياتهِ
الثمينة ، فكل همّهُ أين يجد لعبتهُ الجميلة ..
مثلهُ تماماً أجدُ نفسي كل صباح أبحث
عن شريط خيالي القديم في تلك الذاكرة
الواسعة ، ولأني قد أتقنتُ اللعبة تماماً
ها أنا أرسمها بشغفٍ كبير حروفاً وكلمات .
مثل المطر تحيني الذكريات ، فبي من المشاعر
نحو الماضي ما يصنع عمرًا آخر من جديد .
( المعزاجُ )هي تلك الحارة التي أتحدّث عنها
أتيتُ إليها منذُ عقدٍ ونيف وهي لم تزل
عذراء ، وأرض بكرٍ لا يقطنها سوى بضع
أسر ، وبنيتُ بها مسكني كسابع منزلٍ فيها
وها هي اليوم تتجاوز المئة أسرة وتزيد ،
لم تزل تحتفظ بهدوءها رغم نشازٍ يأتيها
مكرهاً أحياناً من بعض الدخلاء فيها .

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!