( الموسوعة اليافعية)/ بقلم:كمال محمود علي اليماني( اليمن)

ساق لي حظي السعيد فرصة الحصول على نسخة من الموسوعة اليافعية ، وهو كتاب مرجعي في ثمانية مجلدات ألفه الأستاذ الألمعي د. نادر سعد عبادي بن حلبوب العُمري، ولم يكن يسبق اسمه حرف الدال حينها. جاءت الموسوعة بإشراف من محمد بن سالم بن علي بن جابر . ولأنها موسوعة تتوخى الدقة العلمية والتاريخية واللغوية فقد عُهد إلى أساتذة أجلاء مهمة مراجعتها في تلكم الفروع من بينهم : د. سالم عبدالرب صالح السلفي، د. عبدالله سعيد سليمان الجعيدي، عارف عبد سالم الكلدي و د. علي صالح الخلاقي وآخرين.
وهي من إصدارات دار الوفاق للدراسات والنشر.
والموسوعة اسم مفعول من الفعل وسع ،( وهي عبارة عن مؤلف يحتوي على معلومات عامة حول موضوع معين ، ويعتمد على دقة التنظيم بحسب الترتيب الهجائي ليسهل على المستفيد الرجوع إليه بأقل جهد). ( ويكيبيديا بتصرف)
والموسوعة التي بين أيدينا الساعة تنبيك عن محتواها من أول عتبة تدلف منها إليها ، فعنوانها هو (الموسوعة اليافعية .. دراسة للقبائل والبلدان والأعلام )، ولقد حرص مؤلفها ومعاونوه أن تضم بين جنباتها أكبر مجموعة من المعلومات عن يافع( يعرّف بأعلامها ويجمع ماتناثر من تاريخها، ويرُي بلاد يافع من لم يرها ، ويتجول القارىء في ربوعها وإن كان أبعد مايكون عنها ) هكذا جاء في الإهداء .
ولقد نبه المؤلف إلى شخصيتين كانتا سببا رئيسا في توفيقه بعد الله ، وهما : الشيخ الجليل أبو أٍسامة محمد بن سالم بن علي بن جابر ، وكذا الشيخ الجليل أبو أنور قاسم بن عمر المُشتهر.
ولقد تضمن المجلد الأول، وهو مدخل تعريفي ، لمحات موجزة عن نسب قبيلة يافع والتسميات التاريخية لها، وعن جغرافيتها وتضاريسها وعدد سكانها وتركيبها القبلي . كما تضمن الكثير عنها قبل الإسلام وفي صدر الإسلام، وفي التاريخ الوسيط ، وكذا في العصر الحديث.
وعرّج المؤلف على الحالات الاجتماعية والدينية والثقافية والاقتصادية لها.
وكان لابد من الحديث عن السلطنات اليافعية ، وهما: السلطنة العفيفية ، وسلطنة آل هرهرة. وذكر نسب كل سلطنة وأعلامها.
وإذا كان القول السائر دائما مايتحدث عن الخاتمة فيصفها بأنها مسك ، فإن المجموعة قد تميزت بأن مفتتحها كان مسكاً؛ إذ تقابلك أول ماتقابلك في االتصدير قصيدة عنوانها ( في حب يافع.. )، وهي من أشعار المؤلف ذاته فهو شاعر وله ديوان ورقي مطبوع بعنوان ( سأبقى محبا).والقصيدة مكونة من 37 بيتا يصعب أن تجتزىء أبياتاً منها، ولكن للضرورة أحكامها؛ لذا اقتطع لكم بعضا من ابيات متفرقة دللت على عظمة يافع ومكانتها في قلب الشاعر:
سلي ( العراق) و( مرج الشام ) إذ هتفت
( الله أكبر ) فرسانُ الوغى فيها
و( مصر) لما استضاءت بالكتاب على
وقع الحوافر يوم الفتح تطويها

و( جيزة ) الفتح ترديها ومن نشأت
إلا و(يافع) واستقوت مبانيها

ويقول:
و( يافع) تاجنا لانرتضي بدلاً
بها من الأرض .. ما احلى سواقيها
مهما اغتربنا فمازالت معلقةً
بالقلب نحملها حباً ونطويها
بالعلم والخير والإيمان نعمرها
عند الرخاء، ويوم الروع نحميها
وبحسب ما جاء في الموسوعة فإن يافع تنقسم إلى قسمين رئيسيين : بني مالك ( يافع العليا) وبني قاسد (يافع السفلى)، وكل واحدة منهما تتفرع إلى خمسة مكاتب، فمكتب بني مالك يتفرع إلى : مكتب الموسطة، مكتب الضبّي، مكتب المفلحي، مكتب لبعوس ومكتب حضرموت.
أما مكتب بني قاسد فيتفرع إلى خمسة مكاتب هو أيضا، هي: مكتب كلد، مكتب يهر ، مكتب السعدي، مكتب اليزيدي، ومكتب الناخبي.
وامتدت يافع في علاقاتها إلى عدن ولحج وكذا حضرموت. وتتوزع إداريا بين محافظتي لحج وأبين.
ويبدا المؤلف في المجلد الثاني بالحديث عن التقسيم القبلي لمكاتب يافع، فيورد القبائل والفخائذ التي تتبع هذه المكاتب، ولقد أحسن إذ نبه إلى أنه ومعاونيه في هذه الموسوعة ( لم نراعِ في ترتيبها اي اعتبار اجتماعي طبقي، والجميع في درجة واحدة باعتبارهم من سكان يافع) وهو لعمري أمر ملّح يجنبهم الوقوع في كثير من المشاكل، ثم إن المنهج العلمي المتبع في تدوين الموسوعة يتطلب منهم ذلك. ونحن إذ نطوف ونتجول في الموسوعة فإننا لانتعرف من خلالها على أهم القبائل والفخائذ والأعلام فحسب بل ونتعرف على الأودية والجبال والتلال، ولهذا تجد أن الوصف الذي يوضعه المؤلف في مقدمة الموسوعة كان صادقا حين قال: ويثري بلاد يافع من لم يرها، ويتجول بالقارىء في ربوعها وإن كان أبعد مايكون عنها).
ولقد كان المجلد الثاني من نصيب مكتب كلد ، أما المجلد الثالث فقد قدم لمكتب يهر، والرابع قدم لمكاتب السعدي واليزيدي والناخبي، وبهذا تكتمل مكاتب بني قاسد، ويبدأ بعدها تقديم مكاتب بني مالك مع المجلد الخامس ، فهناك نجد الحديث قد وصل إلى مكتب المفلحي، ثم يأتي المجلد السادس ليخبرنا عن مكتب الموسطة، ويأخذنا المجلد السابع إلى مكتب الضبّي فلبعوس فالحضرمي. وبهذا تأتي الموسوعة على كل مكاتب يافع العليا والسفلى من حيث قبائلها وبلدانها وأعلامها، وهنا سيبرز السؤال، وماذا عن المجلد الثامن؟ وبالمناسبة فهو المجلد الوحيد الذي لم يكن من تأليف نادر سعد عبادي بن حلبوب العُمري إذ هو من تأليف طارق بن سالم سعد الموسطي وآخرين.
وهو المجلد الذي قدم دراسة كما جاء في عنوان المجلد ( يافع في حضرموت.. دراسة الحقبة الزمنية للوجود اليافعي للوجود اليافعي في حضرموت والقبائل والأعلام) ، وأحسب أن عنوانه قد اختصر محتوياته في كلمات قليلات أوجزت مابداخله.، فالمعلوم تاريخيا أن يافع كان لها حضور فاعل في حضرموت حتى أنهم أسسوا مشيخات وإمارات في الأماكن التي نزلوا فيها مثل أهل غُرامه وأهل همّام وأهل عبدالقادر ( في تريم)، وأهل الضبّي في ( سيئون ) وغيرهم ، بعد أن كانوا قد قدموا من يافع لنصرة ومساندة سلاطين حضرموت مثل بدر بن محمد الكثيري، ولاننسى قيام السلطنة القعيطية التي أسسها الجمعدار ( عمر بن عوض القعيطي سنة 264 هـ في القطن ، وتوسعت حتى شملت معظم أراضي حضرموت ، ولهذا كان لابد من إفراد مجلد يختص بهذه الحقبة التاريخية المهمة في تاريخ يافع وحضرموت على السواء.
والكتاب / الموسوعة جهد يستحق كل ثناء وتنويه ، لاسيما وأنه عمل تأسس على منهجية في التعامل مع المعلومات الواردة فيه، من حيث الوثائق التي حصل عليها المؤلف ومعاونوه من خلال البحث، أو من خلال مناشدة الأهالي الذين كان لدى أكثرهم إحساس عالٍ بأهمية العمل ، وكذا من خلال المسوحات الميدانية التي جابت أطراف يافع من أقصاها إلى أقصاها.
تمنيت لو أن الموسوعة قد حوت الكثير من الصور الملونة التي تظهر جمال الحقول في يافع ، وكذا جمال البنيان اليافعي.

كل ما أتمناه بعد قراءة هذا العمل الفريد أن تتبعه موسوعة أخرى تتعلق بالجوانب الثقافية كالشعر والحكايا، والموروث الشعبي اليافعي ، والملابس الرجالية والنسوية ، والعادات والتقاليد في مناسبات الزواج والولادة والوفاة ، وما إلى ذلك من المناسبات ، ولاشك أن لدى يافع بتاريخها الزاخر الكثير والكثير.

ولي رجاء على دار الوفاق والقائمين عليها أو أي دار نشر أخرى أن تعيد طباعة الموسوعة بورق عادي وأغلفة ورقية ، ودعمها ماليا لتغدو في متناول الكثير من الناس الذي لايقدرون على شرائها في حلتها الحالية.

About محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!