ليس أخطر على روح الشعوب من حين يتحوّل الدين من إيمانٍ حرّ إلى سياطٍ مسلّطة. عندها، لا يصبح الدين معنىً يتجاوز الخوف، بل يصبح الخوف ذاته. لا يعود الدين نافذة على السماء، بل قفصًا محكمًا على الأرض.
الشعب الذي يُربّى منذ طفولته على أن الخيال خطيئة، وأن الموسيقى حرام، وأن الحب عار، وأن السؤال فتنة، يُنتزع وجدانه انتزاعًا. القوى الناعمة التي تميّز الإنسان: الفن، الحلم، الحنان، الجمال، تتحول إلى أشواك تُجرَّم وتُلعن وتُطارد. أي جريمة أكبر من أن يُقتل في الإنسان قلبه قبل أن يُقتل جسده؟
هيمنة الدين ليست فقط سيطرة على الطقوس، بل هي شبكة خفية تُخضع اليومي بكامله: كيف تأكل، كيف تلبس، كيف تحب، كيف تمشي، بل حتى كيف تحلم. وحين تُحاصر الأحلام، يُختنق الخيال. وحين يُقتل الخيال، يتيبّس القلب. وما الشعب إلا قلوب نابضة.
شعب بلا أغنية هو شعب بلا ذاكرة. شعب بلا فن هو شعب بلا روح. شعب بلا حب هو مجرد جموع مطيعة تنتظر سوط الراعي. هكذا تصنع الهيمنة الدينية أجيالًا بلا ملامح: قطيع يردّد ما يُلقَّن، ويموت دون أن يعرف طعم الحياة.
لا خلاص لشعب يُقتل وجدانه سوى بالتمرّد على الخوف. الإيمان ليس المشكلة، بل استعباد الناس باسم الإيمان. الدين لا يدمّر إلا حين يتحوّل إلى سلطة؛ حين يصبح أداة قمع، لا بوصلة حرية.
الوجدان هو ما يجعل الإنسان إنسانًا، وإذا استُبيح، فكل القوانين والدساتير لا تُنقذ. الشعوب لا تنهض بالشعارات، بل بعودتها إلى قوتها الناعمة: بفنها، بحبها، بخيالها، بقدرتها على أن تحلم من جديد.
إنها ليست معركة بين دين ولا دين، بل معركة بين روح حرة وروح مسحوقة. بين حياة تُعاش وحياة تُستنزف. والخيار واضح: إمّا أن نستعيد القوى الناعمة فينا، أو نستسلم لموت بطيء باسم السماء
آفاق حرة للثقافة صحيفة ثقافية اجتماعية الكترونية