ترجمة جديدة لرواية فكتور هوجو (آخر يوم لمحكوم بالإعدام)

 كتب   الشاعر  والناقد  السعودي سعد عبدالله الغريبي

عن دار (اكتب) المصرية صدر للكاتبة المغربية سلمى الغزاوي ترجمة جديدة لرواية (آخر يوم لمحكوم بالإعدام).
وسلمى الغزاوي كاتبة قصة وروائية، صدرت لها مجموعتان قصصيتان، وروايتان. ثم دخلت مجال الترجمة فأصدرت ترجمة لديوان بودلير (أزهار الشر) ثم ترجمة لرواية هوجو التي بين أيدينا.
يميز هذه الترجمة اللغة الانسيابية التي عودتنا عليها الغزاوي في مؤلفاتها السابقة، فهي تعني بلغتها حتى لا تكون مانعاً من التدفق القرائي، فالقارئ ليس مضطراً للتوقف لاستعادة جملة بسبب صعوبة تركيبها أو مفردة لاستجلاء غموضها.
ورواية هوجو هذه تماثل كثيراً من رواياته التي عرفناها من قبل من حيث اختصار المكان بمساحة محدودة، وحصر الزمان بفترة قصيرة، مع تعويض ذلك بخياله الواسع، وبحيله الذكية. كما يوصل ما يريد إلى القارئ، ويدافع عنه بجلاء دون أن يلحظ القارئ أنها فكرته، أو أنه يتبناها ويدافع عنها باستماتة.
وفي هذه الرواية لن يعجز القارئ عن إدراك أن فكرتها الرئيسة هي تجريم الحكم بالإعدام، ومساندة فكرة إلغائه تماماً ومهما كانت الأسباب.
وحين يصف هوجو – على لسان أحد أبطال رواياته – حدثاً أو موقفاً فإنه يأتي بالعجيب، فهو في تشبيهاته كمن يرسم صورة كاريكاتورية. ونجد في روايته التي بين أيدينا نماذج متعددة من هذه الأوصاف العجيبة، فالمجرم مثلًا يصف الجمهور المتأهب لسماع المحاكمة: «كغربان متحلقة حول جثة».
ويصف السجانين وهما يضعان القيد في يده: «وكأنهما كانا يضيفان قطعة غيار لآلة متهالكة». أما عربة السجن فيشبهها بـ «القبر المزود بالعجلات».
وحين نقرأ وصف المجرم لجو المحكمة التي سيق لها من السجن نجد وصفاً مبهجاً، وكأنه يصف رحلة لا سجناً ومحكمة: «النوافذ كانت مشرعة، هواء وضوضاء المدينة كانا يدخلان بحرية من الخارج. القاعة كانت مضاءة كما لو كانت مهيأة من أجل عرس، وأشعة الشمس المبهجة تعكس هنا وهناك الوجه المضيء للمنافذ. تارة تبدو وكأنها مستلقية على الأرض، وتارة كبقعة ضوء مشعة على الطاولات، وتارة أخرى متكسرة على زوايا الجدران، وعبر الألواح الزجاجية اللامعة للنوافذ، كان كل شعاع ينشر في الفضاء نثاراً عظيماً من الغبار الذهبي».
ويصف منظر وفد جاء فيما يبدو لتفقد وضع السجن والسجناء بأسلوبه الساخر: «هذا ما سمعت السجان يقوله لبعض الفضوليين الذين جلبهم ليتفرجوا عليّ في قفصي قبل أيام، والذين ظلوا ينظرون إليّ عن بعد، ويراقبونني وكأنني وحش معروض في سيرك!».
ويصور لنا مدى سعادة القضاة بمحاكمته، فيقول: «كانت إمارات الرضا ظاهرة على القضاة الجالسين في آخر القاعة. على الأرجح كانوا مسرورين لأنهم على وشك إغلاق القضية».
ويعلق على حرص الحراس عليه وهو يساق لتنفيذ الحكم بقوله: «وكان من المهم أن يحافظوا عليّ سليماً معافى إلى أن أصل إلى ساحة الإعدام».
ولا ينسى جشع أصحاب (الكاباريهات) المطلة على ساحة الإعدام لأنهم يؤجرون الأماكن المقابلة لساحة الإعدام بأثمان باهظة.
وكأنه وجد أن من واجبه أن يسجل آراءه في اللحظات الأخيرة لينتفع بها غيره، فطلب مستلزمات الكتابة؛ من ورق ومحبرة وريشة، وحين تسلمها أخذ يفكر: ماذا سيكتب؟!
ويجيب نفسه: «من الوارد أن قراءة يومياتي ستقيد أيديهم نوعاً ما، قبل أن يُقْدموا في مرة أخرى على رمي رأس مفكر. رأس رجل…ألم يسبق لهم قط التوقف أمام هذه الفكرة المؤلمة التي تقول إنه في كل مرة يعدمون فيها رجلًا فإنهم يعدمون فكرا»؟!
ويضيف: «عساها تعود بالنفع يوماً على آخرين، أو تمنع قاضياً مستعداً لإصدار هذا القرار المريع وتنقذ تعساء؛ أبرياء كانوا أم مذنبين من الاحتضار الذي حكم به علي».
ثم يتساءل عن جدوى الكتابة بعد أن يُعدم: «حينما يقطعون رأسي ماذا يضيرني في أن يقطعوا رؤوس محكومين آخرين؟ ما النفع الذي سيعود عليّ في حالة إلغاء عقوبة الإعدام بعد قطعهم لرأسي»؟!
وفي خضم شرود فكره يتذكر مبنى السجن ومن بناه ولأي غرض، ومن استخدمه قبل أن يتحول إلى سجن؟! ويسلط القنديل على جدران الزنزانة ليقرأ أسماء المحكومين الذين مروا بزنزانته هذه قبله، ويستعرض جرائمهم مما تعيه ذاكرته، فيرتاع لأن جرائمهم كانت فظيعة لا تقاس بما اقترفه هو.
وفي يوم ترحيل السجناء المحكوم عليهم بالأعمال الشاقة يُسمح لزملائهم الذين لم يحكم عليهم بعد بمشاهدتهم، لكنه بدلًا من أن يستمتع بمنظرهم وهم عرايا كما يستمتع زملاؤه يزداد اكتئاباً، ويدعو إلهه ألا يحكم عليه بالأشغال المؤبدة حتى لو كان البديل هو الإعدام، لكنه ما يلبث أن يفقد وعيه وينقل للمستشفى. وبعد أن يفيق يفكر لو يستطيع الهرب، ويبدأ يرسم خطة الهرب وخط السير وعبر أي ميناء؟
في يوم اقتياده لتنفيذ حكم الإعدام يلاطفه حارس السجن ويدعوه (سيدي) ويسأله ماذا يريد للإفطار؟ ويزوره مدير السجن راجياً منه ألا يكون قد حمل عليه أية ضغينة. أما الكاهن المفوض فيخبره بكل لطف أنه يحمل له رسالة من المدعي العام فحواها رفض طلبه النقض!
وهنا تبلغ به السخرية مداها: «إنه السيد المدعي العام الذي طالب برأسي بإلحاح؟ إنه لشرف عظيم لي أن يراسلني. أتمنى أن موتي سيسره للغاية!».
في الزنزانة المؤقتة التي سيقاد منها لساحة الإعدام طلب مكتباً وأدوات كتابية وسريراً ليكمل ما بدأ كتابته. وأخذه تفكيره إلى ابنته وهل ستكرهه؟ وينتقل به التفكير ليوازن بين الأشغال الشاقة والإعدام ليقول إن الأشغال المؤبدة قد تكون أفضل! جلبوا له ابنته لكنها لم تتعرف عليه لأنها كانت صغيرة حين سجن كما أن أمها كانت قد أخبرتها بأن أباها مات!
في الساعات المتبقية له قبل الإعدام تذكر حياته منذ طفولته وشبابه، وحبه لـ (بيبا) التي عشقها صبياً وشاباً.. وينتقل به التفكر إلى مساق آخر.. إلى الملك كيف يمكن الوصول إليه؟ لأنه وحده الذي يستطيع إنقاذه من الموت، ويتساءل ماذا لو جاء مصادفة وأصدر أمره بالعفو عنه؟!
في الرواية مخرج لطيف لعدم ذكر سبب سجن هذا المجرم وإعدامه، فقد أضاف الروائي ملحوظة على لسان الناشر يقول فيها إن الفصل الذي روى فيه قصته قد فقد من هذه المذكرات.

 

 

حديث الكتب _  اليمامة 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!