حين يزور أحدنا بيتاً من البيوت ويجلس في المجلس، أو كما نسمّيه المقلط، أو يزور إحدى الديوانيات ويجلس مع الرجال لمدة ساعة أو ساعتين ويتبادل الجميع أطراف الحديث ويشربون الشّاي والقهوة، وربما يتناول وجبة معيّنة من الطعام أو المتيسّر منه، ثم يتجاذبون أطراف الحديث والحكايات تجرّ الحكايات وفي نهاية المجلس ينصرف الجميع كلٌّ إلى شأنه.
إلى هنا انتهت الصورة النمطية في التقارب أو التزاور الاجتماعي وهي صورة متعارف عليها في أغلب المجتمعات.
ما دعاني لكتابة هذا المقال هو الإحساس الداخلي لكلّ نفس من حيث مراجعة ما تم قوله بقصد أو بدون قصد، ولعلّ الغالب هو بدون قصد، وأنا على يقين أنّ ما قيل من هذا وذاك هو بدون قصد، ولهذا تجدني وضعت العنوان شاذًّا وغريباً نوعاً ما حتى نكون جميعاً – أنا وأنتم – على حذر من زلل اللّسان وإن كان من باب المزاح.
حيث يراجع الشخص أقواله أولاً وأقوال الآخرين ثانياً، فيقوم بينه وبين نفسه بمراجعة دقيقة وتصحيح الأخطاء التي قيلت، حتى وإن كان الكلام قد وجّه لطرف ما وليس لنا مباشرة ولكنّنا نسمعه ونعيه، ومن ثم علينا تحليله ومعرفة الخلل فيه.
وهنا علينا التحلّي بالشّجاعة والمبادرة بتقديم الاعتذار لأيّ طرف كان، سواء أكان كبيراً أو صغيراً ومهما كانت مكانته الاجتماعية أو حتى صلته من الأرحام.
إنّ الاعتذار عن المزح الخفيف والثقيل منه هو فعلاً شجاعة يعتدّ ويعتزّ بها حتى وإن نسي الطرف الآخر الكلمة التي مرت مرور الكرام، فماذا لو لم تمرّ سراعاً وبقيت معلّقة في نفسه فإنّها سوف تكون مؤثرة ولها سلبيات نفسية كثيرة.
مراجعة النفس وتأنيبها على أيّ قول أو فعل، بقصد أو بدون قصد، هي من سموّ الأخلاق، فالأخلاق بالبشاشة والحديث الهين اللين والروح المشرقة والكلمة الطيبة.
نحن فعلاً نحتاج لأن ندرس ما تفوّهنا به بعد كلّ مجلس ونصحح ما اعوجّ من أمور وإن كنّا نعتقد ساعتها باستقامته.
فكثير من الأرحام وكثير من الإخوان والأصدقاء تفرقت بهم السُّبل بسبب كلمة غير مقصودة تم فهمها خطأ ولم يتم تدارك أمرها في الوقت ذاته.
وكثير من رواد الديوانيات انقطعوا عن التزاور بعد أن كانوا يرتادونها لسنوات طويلة، والسبب في ذلك الحساسية في كلمة قيلت وهي غير مقصودة كان الطرف الآخر يمزح بها، بينما أخذت على محمل من الجدّ وحدث ما حدث من تبعات.
قال الشاعر:
إنّ القلوب إذا تنافر ودّها
مثل الزجاجة شعبها لا يصدع