لكم أنا مولع بالشجر !
ليس لذلك الشكل البديع ، ولا ذلك اللون السندسي المترع بالجمال ، فلا لون يضاهي حضرة الشجر ..لكني يا سادة منبهر بالشجر أيم إنبهار لأنه لا يأكل ثمره ، ومن منا لا يحب أن تنسج له اللغة بديع القول حين تثمر حياته ، ولكن أرأيت ، أو سمعت ، او حسيت يوما أن الشجر يريد أن تتوجه ، وتوشحه بتيجان الكلام ؟!
ألم أقل لكم إن الشجر أعظم منا لأنه لا يأكل ثمره ، فهي آية الحياة الكبرى فينا .
، والأم عظيمة ليست لأنها حملت مولودا طوال تسعة أشهر وسهرت عليه في أعتى الليالي الباردة وضحت بصحتها ووقتها ، فهذا كله لا يعطي الأم تاج العظمة ، فتاج العظمة حين تغرس قيم العزة والشموخ والأنفة والتسامح والعطاء في روح ذلك المخلوق الذي يسمى مولودا ، فلولا غرس تلك القيم العظيمة لسميت أم السارق عظيمة ، وقاطع الطريق ورجل تبوء منصبا وفصار ثريا من حقوق البسطاء ، العظمة لا تصرف لأم أضاعت قيم الحياة ،فسقط من فوق رأسها تاج العظمة .
والقائد العظيم الذي بنى وطنه وهدم شهوته ، ومات متيسر الحال وترك وطنا غنيا بقيم الحق والعدالة والمساوءة .
المعلم العظيم هو الذي أنطفأ عمره ولكن أشعل نور الحياة في طلابه ، فتوهج الوطن نورا ولم يصر رمادا ، فالحياة لا تجعل من أعطى رمادا بل عمودا من نور الحياة .
الفلاح العظيم ذلك الذي حاججه الناس أنه زرع أشجارا معمرة وهو في سن الشيخوخة ، ولكن كانت غايته أسمى فقد رأها تثمر في الزمن القادم ، فلم تخب ذكراه وكتبته الحياة حيا فينا ، وأما ذلك القبر الصغير فقد أكلت الدوده جسده واحتفظت الحياة بروحه الخالدة فينا ..
الحياة لا تخلد العابرين فيها ولكن من رسم فجر الحياة على محيا الدنيا ..فالحجارة المرمية على قارعة الطريق أعاقت العبور وذمها الناس وخربت مجرى المياة ، ولكن الحجرة التي وضعت في جسر أنقذت العالقين وحمت منجزات الحياة من الخراب .
فلا تكن حجرة كبيرة تعيق تدفق الحياة في أوردة الوطن ، بل كن حجارة يعلو بها الوطن ..
ها أنت صاحب حرفة قلم فلا تشخبط مثل ما شخطب العابرون ، فحين عرضت لوحة الوطن على شموس الحياة كانت بلا قيمة ، فمتاحف الحياة لا تحتفظ بلوحة النفاق ولا تشترى حين تتصارع الحقيقة والزيف ، فالزيف لا يحمل سيف الحق ولو كان لامعا .
آفاق حرة للثقافة صحيفة ثقافية اجتماعية الكترونية