هنا في تاروت التي تعتبر أكثر الأماكن عراقة و حضارة كان مسقط رأسي و طفولتي و سنوات صباي . هنا مهد الأيام الجميلة و التراث و الصداقة الحقيقية لصبايا الديرة و بنات المعلم لدرس القرآن الكريم عند جدتي الحبيبة المرحومة أم مجيد آل سيف .
حين أسافر بقلبي إلى هذه الأرض الطيبة و أنقش بقلمي عن ذكريات الحب الصادق و الأخوة الحقيقية و الجيرة التي تجيد تصوير وصية رسول الإنسانية صلى الله عليه و آله الذي أكد على أن ( الجار قبل الدار ) و أوصى على سابع جار ، و لذلك لا يمكنني نسيان جيران كل الأحياء التي تنقلنا فيها بالإيجار قبل أن يكرمنا الله ببيت بناه والدي رحمه الله بكدٍ و جهدٍ متواصل لأكثر من خمسة عشر عام حتى تسنى لنا أن نحط رحالنا و نستقر في بيتنا بعد أن خلدنا ذكريات جميلة في كل جانب من زرانيق الديرة و شوارع الدشة التي كانت بالكاد تتسع لسيارة واحدة تتوسط صفاً من البيوت و مرتفعات السدرة و بساتين الدالية و أروع ذكريات ( عين العودة ) و قصر تاروت التي تتضاءل كل متع الترفيه و السياحة الحديثة أمام تلك البهجة التي تغمرنا حين نلهو و نلعب في جنباتها . لا يمكنني أن أتجاوز الحديث عن سنوات حياتي حين أمرر نظري على كل ما يتعلق بأيام تاروت و ذكرياتها و عراقتها و خصوصية ذلك المصدر الأثير للسعادة حين تلمع عيناي و يرقص قلبي بهجة لمجرد ذكراها . حين أبدأ بالكتابة عن تاروت و أهلها أشعر بالغبطة و الفخر أنني أنتمي لجزيرة العمالقة علماً و أدباً و ثقافة و حضارة و تميزاً في الكثير من الفنون الجميلة و الخطابة و الثقافة .
تاروت التي أنتجت للوطن مواهب واعدة أصبحت في مصاف المبدعين و خلدت مواقف رائدة في كل مجال .
كانت تاروت و لا زالت و ستبقى نقطة إلهامي و ميلاد أحلامي و مركز يقيني بأنني سأكون في يومٍ ما ناجحة أستطيع تخليد إسمي في سجل صُناع الأمل و رواد العطاء و أكون نجمة مضيئة في سماء التميز و ميدان الانجازات العظيمة رغم ازدحامه بمئات الأسماء في تاريخ تاروت التي تزخر بالعظماء و العلماء الربانيين و المبدعين في كل الميادين .
كانت هذه السطور غيض من فيض مشاعري لا سيما في يوم الجمعة دُرة الأيام أرسل فيها فضفضة و استدعاء لذكرياتي في دُرة الأماكن و أحب المدائن ان صح أن أصف هذه الجزيرة التي ترتمي في أحضان الخليج و أنقش ذكرياتي و تجاربي في قالب أدبي أهديه ليس لأهل تاروت فهم أعرف بها و أحرص على نشر كل ما كان من تاريخها العريق و حضارتها التي تعود لآلاف السنين و منارات التميز فيها ، بل أرسله لكل من أعرفهم ممن يعشقون كل ما خلده التاريخ من تميز و إبداع في أي مكان من العالم العربي بل و أسعى لترجمة كتابي هذا لعدة لغات لتصل إضاءات التاريخ الحضاري الذي انبثق من نقطة تكاد لا ترى على خريطة المملكة لكنها امتازت بما لا يتوفر لدى كثير من المدن التاريخية و حققت مالا تحققه كبرى المدن في العالم و التي تعج بأرقام هائلة من السكان و تحظى بموارد طبيعية و اقتصادية أكثر من جزيرتنا الحبيبة .
جمعتكم تاروتية مميزة بقلمٍ ربما لم يكن له شأن لولا أنه حظي بالرعاية و العناية من ذوي الشأن الثقافي و العلمي في جزيرة العظماء الذين تتلمذ على أيديهم و لذلك فصاحبته تدين بالفضل لكل شبر فيها و لا تنسى أروع سنوات العمر فيها ، و مهما تنقلت في اماكن داخل و خارج البلاد تبقى تاروت حُب العمر الذي لن ينتهي و الشغف الذي لن ينطفئ حتى ترقد في جوفها الدافئ كما عانقت نور الحياة على ارضها ..