لصحيفة آفاق حرة :
________________
ذكريات في دنيا المُحاماة
بقلم المحامي- محمد الغانم
*تبخرت أحلامنا في التقاعد المبكّر بعد خدمة طويلة لسنوات وسنوات في مهنة غلب عليها الشقاء مع قليل من المتعة والفرح وتفرّق جمعنا بعد أن تحطمت جدران مكاتبنا وتبعثرت كتبنا وملفاتنا وطارت ذكرياتنا وما أن ساقتنا الأقدار وولينا هاربين ( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ .*
*صدق الله العظيم*
*ومن المغامرات الجديدة بعد الرحيل أن ساقني القدر لعقد عمل في دولة خليجية كمستشار في مكتب قانوني يعود لأميرة عربية وكانت البداية طيبة حيث القضايا دسمة وكُبرى وبدأت العمل بجهد مثمر وكان زميلي المصري منصور المسؤول المباشر عني يزودني كل يوم بملفات القضايا وربما يصل عدد صفحات بعضها المئات ولا يجعلني ألتقط أنفاسي وبت خلال ساعات دوامي مُكبًّا بين القراءة والاستنتاج والبحث عن نقاط القوة والضعف في القضية التي تقع بين يدي وصولًا إلى رؤى وتوصيات لا بل كنت أتنقّلُ بمتعة وشغف بالدراسة بين القضايا التجارية والعقارية والاستثمارية والجنائية ولم يكن لمنصور أن يرحمني وضاعفت من أدائي وقد كنت أحمل كل يوم الملفات إلى مكان سكني وما زلت أحتفظ بمئات الصفحات من خلاصة ما كتبته بخط يدي ولم تفتني زيارة جمعية المحاماة في بلد العمل وشراء كافة التشريعات القانونية كاملة والانكباب على دراستها والتي مازالت ترافقني إلى الآن …*
*ورغم محدودية الفترة التي قضيتها فما زلت أذكر صاحبة العمل التي تعرف كل شيء ما عدا القانون وحين كانت تحضر إلى المكتب ساعة واحدة كل يوم يهرع لاستقبالها منصور وأخوة منصور وآل منصور وكذلك عند الوداع ولا أذكر بأني غادرت مكتبي إلّا حين تطلبني عن طريق الحاجب الهندي أو كانت هي تأتيني وتطلب مني تناول القهوة في مكتبها الفخم ولتسألني عن رأيي في قضية ما وأذكر مرّة حيث حضر معنا منصور وبدأت الأميرة بالقول أنت يا أستاذ محمد سنك من سني أمّا هذا “الهرش” وتقصد عن منصور فهو أصغر منّا وإن بدا لك ضخم الجسم ويبدو أن الهرش منصور مُعتاد على سماع مثل هذه الكلمات لذا لم يتوقف عن الضحك …*
*صرت ألحظ أن وجودي بات يُزعج ويقضّ أحلام الهرش منصور وربما بات يتوسل للأميرة لإحلال هرش من فصيلته وبني جلدته مكاني ويبدو أن تقاريره وخنوعه وتقييمه السلبي لأدائي بالعمل أثمرت وساهمت بوضع حد لبداية كانت واعدة لولا سرعة وأدها …*
*تلمع أسماء بعض المكاتب القانونية في عواصم عربية وتأخذ شهرتها من أسماء أصحابها بحيث يأكل أصحابها الأخضر واليابس ولا تدع للآخرين سوى الفتات لا بل وتقدم هذه المكاتب الاستشارات والفتاوى لحكومات بلادها وتيسّر أمور الكبار القانونية وتحمي أموالهم وليت شهرة أصحاب هذه المكاتب تأتي من فهمهم للقانون إنما شهرتهم تأتي من مناصبهم السابقة والواسطة ومعرفتهم بمداخل ودهاليز القضاء …*
*نظرت إلى الحياة بعد طول تأمل فوجدت الفائز فيها تيس يملك الجاه والفلوس وهرش قليل ناموس وأما الحمل الوديع الذي لا يحسن الفسفسة والتصفيق والتمجيد فعليه الهرب بسلام …*
*#خربشات_أبو_غانم.*