بقلم مخلف العلي القادري
عندما نتذكر الأيام الماضية، أيام مضى عليها ثلاثون سنة، عندما دخلت الطريقة على يد الشيخ عبيد الله القادري قدس سره، لازلت أذكر تلك الأيام فتلك الصور لا تنسى يوم دخلت أول خلوة، نعم انها صور لاتنسى صور المريدين والسالكين، في خلواتهم وعباداتهم.
شعثاً غبراً، يتسابقون لقيام الليل وصلاة الفجر ثم يجلسون يقرأون أورادهم ثم نجتمع لمجلس الذكر حتى طلوع الشمس ثم نصلي الضحى فيأوي كل واحد منا على فراشه البسيط ربما سجادة صلاة او بطانية رقيقة أو يفترش الأرض ويتغطى بغترة او بلباسه او بطاقيته،
ثم نستيقظ قبيل الظهر نستعد للصلاة فنصلي الظهر ونمسك بمصاحفنا للعصر ثم نصلي العصر ونجتمع للذكر للمغرب فنصليها ونفطر على قلة قليلة من الطعام ثم نرجع لأورادنا وصلواتنا الى العشاء فنصليها ثم يأخذ كل واحد منها مكانه في زاوية من زوايا المسجد والتكية،ليكابد الذكر والقراءة والعبادة إلى وقت السحر ثم نصلي القيام ونقرأ الدعاء السيفي ويبقى بين يدي ربه حتى يؤذن الفجر.
نعم هكذا كانت أيامنا في رحاب التكية القادرية في أيام التسعينات وليس هذا العجيب الذي اريد التكلم عنه فهو لا شيء أمام عبادة اهل الله وصدق الصادقين .
وكل واحد منا اقتنع وامن بانه الأخير بين الحاضرين وأقلهم ويطلب دعاءه ورضاهم ويبكي عند تقصيره عنهم، ولا أنسى بكاء ذلك الرجل العجوز الذي بكى بحرقة لأنه تخلف عن إحدى الخلوات لعجزه عن القراءة نعم بكى بكاء شديداً ثم طلب ان يجالس الذاكرين في الخلوة ويشتغل بالتوحيد فقط.
ولا أنسى أخ ابو النور الذي كان يزور الشيخ فيترك مجلس التكية ويأتي ليجلس في الخلوة فقط لتناله بركة الخلوة وأصحابها آه آه آه على هذه الأيام
لكن ما أريد قوله لكم أحبتي:
===============
كنا نجلس شهراَ وشهرين في خلواتنا وربما نعتكف شهر رمضان كاملاً، ولم نسمع ولم نرى أحد من الموجودين شغلنا او دوشنا بمناماته ورؤياته فلم يكن يخطر ببالنا ذلك، بل كان الجميع يخجل ويستحيي من الحديث وربما يخاف البعض من البوح بما رآه
وإذا كان مناما له اهمية ربما يتردد اياما وأياماً هل يحدث الشيخ ام لا وربما يخرج من الخلوة ولا يحدث الشيخ به والغالب كان ينساه،
أما خيالات اليقظة التي أصبحت كتنفس الهواء عند مريدي هذا الزمن فلم يكن لها وجود، كان همنا انجاز الورد والواجبات على اتم وجه، كان همنا أن نصل لحالة نقلل نومنا وطعامنا وصمتنا نعم نتسابق بقلة الطعام والكلام والمنام،
ولا أريد أن احدثكم عن حالة الخوف والهلع التي تنتابنا عند التقصير أو دخول الشيخ للخلوة، وشدة الأدب بين يديه.
ولم يكن يرجو أحد منا شيء فوق هذا اي والله هذا كان حال المريدين، همه ان يهيء الله له دخول خلوة يشتغل بها بورد، همه ان يلقى القبول والرضا من الشيخ، فربما كان يحظى بنظرة وابتسامة من الشيخ يشعر كأنه ملك الدنيا، وجمعت له الخيرات والمسرات، فيقبل على الله اقبالا عظيماً
ووالله أدركت أقواما خدمتهم في خلواتهم وكنت صغيرا اعد لهمطعام الخلوة، ربما تمر اياما وشهور ولا اسمع منهم كلمة بل حتى السلام كان يسلم يعينيه او بابتسامة تتسع للدنيا من جمالها.
آه وألف ىه على هذه الأيام ولو اردنا مقارنتها بايام اليوم.
كان الفتح يطلبهم فيهربون منه لأنهم يريدون الله
واليوم يطلبون الفتح فيهرب منهم لأنهم يعبدونه
ولعمري ما الفتح الا الاستقامة والاخلاص والاقبال على الله بالكلية
===========================
أما حالنا اليوم والحمد لله:
منذ الصباح وحتى الصباح وانت لا تستقبل من المريدين الا رأيت وتخيلت وشفت وسمعت وخطر لي وجائني خاطر وجائني وارد وتمثل لي وحضر علي وشعرت وكأنني نعم هذه هي العبارات التي نسمعها كل يوم وهذه نتيجة دقائق او ساعة جلس يذكر فيها، ويخرج منها بعشرات الرؤى والمنامات والخيالات والخطرات
===========================
كان بعض المريدين يجمع كل اسبوع مبلغ ويضعه في حصالة ويعتبر هذا المبلغ على قلته أهم شيء عنده في الحياة أتدرون لماذا يفعل هذا ولما يجمع هذا المبلغ ليجمع ثمن المواصلات التي يحتاجها لسفره لزيارة الشيخ كل ثلاثة شهور، يمنع نفسه من امور كثيرة ليجمع كلفة سفره ليزور الشيخ ويتبارك به ساعة او يوم بالكثير ثم يعود لبيته كانما غزا غزوة، فتعود عليه الزيارة بهمم كالجبال
أما اليوم فصار المريد يرسل رسالة بالواتساب او الفيس لشيخه: ( الو كيفك شيخي بدك شي لازمك شي توصينا شيء ادعيلي شيخي السلام عليكم) او يرسل الو شيخي اليوم شفت منام أو رأيت) وربما تمر سنين لا يجالس شيخه، لأن هذا ليس همه، طبعا ذريعتنا الحياة والعمل والمادة والظروف ولكن الحقيقة أن كل هذه العوائق تزول عند الأفراح وعن الأتراح وعند المرح واللهو إلا عند الاقبال على الله فإنها موجودة
===========================
هل عرفتم لما غابت الأحوال وتغيرت لأنه لم يبقى لها رجال فرجالها اليوم لا هم لهم إلا مايجنونه من أورادهم من رؤى ومنامات وخيالات.
وإني لأصحب الشيخ عبيد الله القادري من 27 سنة ودخلت اكثر من عشرين خلوة ورأيت مئات الرؤى ولكن لا اذكر أني حدثت الشيخ الا برؤى لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة خلال كل هذه السنين، ولولا أن الشيخ طلب مني الحديث لما حدثته.
==========================
ليال وصال لو تباع شريتها
ولكن لا تباع ولا تشرى