النص بين الاسهاب والاقتضاب
بقلم- علاء الأديب
لأفاق حرة.
من المعلوم لدى الجميع بان أصل النص وروحه الفكرة التي يحملها ذلك النص ولا قيمة لأي نص يكتب بلا فكرة تذكر فعندها لا يكون سوى حروف وكلمات جوفاء.
ومن هذا المنطلق فإن استحضار فكرة النص يجب أن تكون أولا قبل الكتابة وقبل اختيار المفردات والأسلوب لتجسيد تلك الفكرة.
أضف الى ذلك ضرورة مراعاة الزمن والتغييرات التي طرأت على العالم بأسره نتيجة العولمة والحداثة ومستجدات ميكانيكية الانسان في أعماله واهتماماته ونتائجهما على الحياة اليومية التي جعلته في سباق محموم مع الزمن المعاش.
فلم تعد الحياة سهلة كما كانت قبل عشرين عاما من الان ولم يعد للإنسان الوقت الكافي للراحة والترفيه عن نفسه والتامل ومزاولة هواياته وتنمية مواهبه الا مارحم الله.
وهذا ما أصبح واقعا معاشا ألقى بظلاله السلبي على المجتمع المتمثل بالتدني الكبير على مستوى ذائقة الانسان عموما في كل بلاد الأرض دون تحديد.
فالمواطن العربي على سبيل المثال لم يعد يسمع أغاني أم كلثوم الطويلة مهما بلغت من الجمال والرقة في المعاني وغيرها من مطربي الزمن الجميل الذين غيروا مجرى الذوق العربي في سبعينيات القرن الماضي حتى الذروةفي سموها.
بل لجأوا للاستماع الى الأغاني الخفيفة سريعة الايقاع والتي تتناسب مع سرعة الزمن علهم يجدون فيها ما يلائم ايقاع الزمن المتصاعد..ومع ذلك فأن اغلبهم يبحثون فيها عن الكلمة الأنيقة واللحن الجميل وإن كانت أسرع من الايقاع الذين اعتادوا عليه .
ومن هذا المنطلق علينا ان ندرك كشعراء وكتّاب بأن مانكتبه من نصوص في هذا الزمن لايجب أن يكون بعيدا عن واقع الحال المعاش ولا بد أن نراعي فيه أنفسنا وقراءنا في مسألة الوقت.
فليس من الصحيح ان نعتمد الاسهاب والاطناب في تمرير أفكارنا عبر نصوصنا لتكون تلك النصوص مقروءة من قبل شريحة واسعة من الناس قدر ماتمتلك وقتا يسيرا لذلك.
وهنا لابد من العودة في ذلك الى مقولة (خير الكلام ماقلّ ودل)
إنّ القوالب التي اعتدنا عليها في كتاباتنا لم تعد مناسبة لهذا الزمن شاء من شاء أو أبى من أبى . ولا أقول علينا أن نغيير في أصول قوالبنا بل إن علينا ان نجعل منها
ملائمة لما نحن عليه الآن من خلال التغيير في أساليبنا
في طرح قصائدنا أو مواضيعنا النثرية إلا فيما لايمكن فيه الاقتضاب والاختصار كالروايات وغيرها من فنون الأدب الأخرى التي تعتمد السردية الواجبة.
أما الشعر بانواعه فهو أكثر الآداب التي يجب ان تخضع لمنطق الزمن المتحول ولمجريات الأمور والمتغيرات الحاصلة عليه.
والشاعر الجيد في رأيي هو من يدرك ذلك . والذي يشحذ كل إمكانياته لطرح أفكاره التي يريد بعدة أبيات يجسد من خلالها فكرة ناضجة الأهداف والمعاني دون اللجوء الى الإطالة التي قد تزهق روح المتلقي في القراءة أو حتى الاستماع وهو في حالة سباق مع زمنه الذي أصبح أسرع من رمشة العين في أغلب الحالات والظروف.
لذا فإن الاقتضاب والسعي الى السهل الممتنع المقتضب في الكتابة باتا أمرين ملحين بل من الامور الواجب ان تتوفر في النص ليكون مقروءا ومقبولا.
وعلى الرغم من فهم أغلب الشعراء لهذا المنطق إلا إنهم مازالوا إلى يومنا هذا يعتمدون أساليب قديمة في الكتابة من حيث الاسترسال وكأن شيئا من حولهم لم يحدث لذا فإن أغلبهم ورغم كلّ ما يبذلونه من جهود مضنية في كتابة قصائدهم لم يلاقوا معها التفاعل المنشود .
ليس لأن نصوصهم ليست نصوصا جيدة ولكنهم لم يراعوا عامل الزمن المتغيير من جيل لجيل.
وهذا ما لابد الوقوف عنده والأشارة له كمشكلة من المشاكل التي يجب ان تكون لها حلولهاالناجعة في سبيل الاستمرار والارتقاء الى مستوى القبول ولهدم الهوة التي حصلت بين المبدع والمتلقي.
والسلام.
علاء الأديب
تركيا ..سامسون
28/1/2023