عن بسطات الكتب المنقرضة والمثقف العاجي/ بقلم:بسام الحروري

لبسطات الكتب مكانة أثيرة في قلبي ووجداني ولعلي هنا أؤثرها كثيرا على أرفف المكتبات التي يجب أن تلتزم فيها بالهدوء والانضباط وتشعر أنك مقيد وأنت تبحث عن كتاب ما هنا أو هناك حيث تعطيك الكتب أقفيتها إضافة إلى معاناتك من صغر خط العنواين على أقفيتها
ناهيك عن عبوس وتذمر القائم على المكتبة وهو محاط بعدد من الزبائن أو القراء كل واحد منهم يبحث عن عنوان ما إن سألته عن عنوان كتاب ربما قد سأله قبلك الكثير فيجيب بطريقة آلية محاولا كتم غيظه وتذمره
بينما يختلف الوضع في البسطات في الهواء الطلق تنقل بصرك بكل أريحية في العناوين المصفوفة بوضوح تام، فيما يدعوك مالك البسطة هاشا باشا إلى التفضل وتصفح ماشئت من
الكتب فيتسارع نبضك فرحا – وكانك حصلت على كنز القبطان فلنت- حينما تقع عينك على أحد الكتب القديمة ذات الأغلفة أو الورق الأصفر – لونا وشكلا وليس معنى – كرسالة الغفران للمعري مثلا أو الأعمال الكاملة لسميح القاسم ودرويش وسعدي يوسف وعبد الرحمن إبراهيم و دنقل مرورا بنجيب محفوظ وشكسبير وبلزاك وهيجو وجارسيا وتولستوي وجوركي والقائمة تطول في هذا الجانب وغيرها من الكتب النفيسة،التي تجدها بسعر أقل من المكتبة صحيح انها اصغر من المكتبة لكن الامر هنا يختلف المكتبة ومتاهاتها
وبطبيعة الحال فقد اختفى هذا المشهد تقريبا بعد غزو الحوثي للجنوب 2015م
لاسيما في عدن بعد اختفاء العديد من المكتبات والأكشاك الصغيرة التي بدلت جلدها نتيجة لتراجع الكتاب والمشهد الثقافي عامة
كان هذا المشهد يغريني كثيرا، يستهويني كثيرا ويجذبني أكثر حتى صارت زيارتي له شبه يومية أثناء تواجدي هناك
لفت نظري في سوق الزعفران على الرصيف بضعة كتب مرصوصة على هيئة بسطة صغيرة ف انقدت تلقائيا إلى المكان لألقي نظرة عن كثب على الكتب المعدودة والمصفوفة امام باب أحد الدكاكين بينما جلس صاحبها بداخل دكانه مطمئنا بأن كتبه في مأمن ولن تطالها يد في وضع ثقافي بائس كهذا
خرج الرجل من دكانه عندما عابسا بائسا على غير الصورة التي طبعت في مخيلتي عن سابقيه خلال تعاملي معهم سواء في كريتر او الشيخ عثمان قبل 2015 كما أسلفت
شاهدني الرجل أمسح ببصري قائمته الصغيرة المصفوفة بعنابة فوقع نظري على كتاب رسالة الغفران ورواية طائر الخراب لحبيب سروري
خرج من قمقمه يكلله عبوسه كالح فسالته عن رسالة الغفران
رد بسبعمائة ريال حاولت ان يخفض لي السعر على ان أشتري أكبر كمية من كتبه لكنه رد بضجر :
– لاتتشاااطرش ياابني بتلاقيها بالمكتبة بألف وخمسمأئة
فقبلت بسرعة لأني لا أجيد تقمص دور كهذا وملول إلى حد بعيد من الأخذ والعطاء و(المشارعة) في أمور البيع والشراء ثم أخذت طائر الخراب لسروري إلى جانب غفران المعري ومضيت
استوقفني : وييييي ياولد
لفت له
: خير ياعم
: هناك كتب عن العلمانية موجودة معي بالدكان إذا تريد
نعم نعم عز الطلب ،أريد ولكن ليس الآن
وختاما لفت نظري في قناة أم بي سي عراق فاصل يتكرر بشكل دائم لرجل مسن وقور ومثقف ببذلة أنيقة متهللة أساريره
يفترش بسطة كبيرة من الكتب
فتتح الكتب بشكل تلقائي على نحو ساحر باعثة ألوان مختلف
كزهور في حديقة او كمهرجان ألوان وينتقل المشهد في ذات الفاصل إلى فتاة جميلة ذات ملامح عراقية تنتقل إليها عدوى السرور والفرح وهي مقبلة لشراء كتب من هذه البسطة السحرية

وعلى مايبدو أن هناك رابط سحري بين البسطات وبين التراث والفلكلور في إطار المشهد الثقافي البسيط هذا إلى جانب تجسيده للثقافة ببساطتها الشعبية
وهي تمد يدها ملوحة بكتاب من قاع البسطات الدافئة للمثقف كي ينزل من برجه العاجي ويتشارك
خبز الثقافة مع الآخر البسيط الذي لا يلتقيه او يوظفه بطلا او يتلمس همومه إلا في كتبه او رواياته ودواوينه
وفي سياق متصل بالادبي والثقافي يعتبر الشاعر العربي الكبير نزار قباني من منظوره الشعري الخاص ان هذا الأمر حق طبيعي تشاركي يجب ان يكون في متناول كل إنسان كربطة الخبز اليومي وكذلك يجب ان تكون الثقافة والكتب

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!