فما خطبك يا سامريّ/ بقلم:داليه زرعيني

.
أغرب ما في قصة موسى والسامريّ أنها تتكرّر في كل زمان ومكان.
فلكل عصر سامريّ يُضلُّ قومه ويدقّ اسفين الفتنة بينهم، يصنع لهم عجلا جسدًا له خوار ، ولكل قوم عجل يعكفون على عبادته، يحبونه بل أُشرِبوا حبّ العجل حتى النخاع وسرى مسرى الدم في عروقهم ،حتى عَمِيَت قلوبهم فضلّوا وأضلّوا عن دين الحق.
لقد قام السامريّ رمز الفتنة، بأخطر عملية مسح ومسخ للوعي في تاريخ البشرية. لقد سحر أعين الناس ببريق العجل الزائف الذي يخطف القلوب والأبصار.
لم يتلقَّ نبيٌّ طعنة في الظهر كتلك التي تلقاها موسى من السامريّ. لقد نسف السامريّ كل جهود موسى التي بذلها مع طغاة الارض فرعون وهامان وقارون…
“قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة”.. يريدون إلها محسوسا ماديا وهم الذين لطالما سألوا موسى أن يريهم الله جهرة. كيف لا وقد عاشوا في ظل معبودهم الذي يقول ” انا ربكم الأعلى”.
**********************************************
رغم علم موسى بفظاعة جُرم السامريّ إلا أنه لم يغفل عن قاعدة ذهبية وهي: سؤال المتهم وسماع حجته ومبرراته.
كم سامريّ يصول ويجول بيننا يفتن الناس ويزين الباطل ويمسخ العقول والقيم والأخلاق ويضلّ الناس من أجل المال أو الشهرة أو السلطة؟؟
كم سامري يقول اليوم” بَصُرتُ بما لم يُبصروا” ويدّعي العلم والقدرات الخارقة ويصنع للجهلة والبسطاء منا عجولا ليفتنهم بها ويضلهم عن سبيل الله؟؟؟
وكم من العجول صنعوها لنا نعبدها ونطوف حولها ونتمنى رضاها ونبوس الأرض تحت أقدامها ؟؟
ألسنا جميعا عُبّاد المال والسلطة؟؟ألسنا ضحايا سامريّي العصر الذين صنعوا لنا الحكام والطغاة وأوهمونا بأنها آلهة يجب أن تُعبد؟
ألسنا جميعا مفتونين ببريق المال والشهرة والكرسي؟ مجبولين على حب المال والاولاد والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة؟؟
كم من الفتن تم تسويقها وكم من الأزمات تمّت صناعتها والترويج لها وكم من الجرائم ارتكبت في بلادنا بهذه الطريقة؟؟
ألا يتعرض الوعي العربي لمسح ومسخ الموروث الديني والثقافي والأخلاقي بشكل ممنهج ومتكرر وتشويه ما تبقى من الثوابت والمفاهيم ، على طريقة السامريّ الذي انتهز غياب موسى فغاب ضميره وأطلق مخططه الشيطاني ؟؟
لكل منا سامريّ يضلّه، وفي داخل كل منا عجل يعبده من دون الله..
فتّش عن السامريّ الذي أضلّك، وحطِّم الصنم الذي بداخلك واحرق العجل الذي تعبده ثم انسفه في اليمّ نسفا، وارفع شعارك عاليا:
” لا مساس”.
لا تمسّنا سموم أفكارك ولا خناجر كذبك وضلالك..كي لا يخدعك بريق الباطل ولا تمسّكَ فتنة العجل ولا سحر خُواره ولا مغريات العصر وشهواته..
متى نتوقف عن عبادة العجول ومتى يموت السامري الذي فينا؟؟

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!