لصحيفة آفاق حرة
قراءة في سردية: المادية العشائرية
وصديقي القرباطي.
الكاتب: حسام الدين الفرّا.
الناشر: دار الدراويش للنشر والترجمة – ألمانيا.
ط١ . ٢٠٢١م.
بقلم. أحمد العربي. سوريا.
عن دار الدراويش للنشر والترجمة في ألمانيا، صدرت سردية المادية العشائرية وصديقي القرباطي، للكاتب السوري حسام الدين الفرّا. هذا أول عمل أدبي اقرؤه له.
المادية العشائرية وصديقي القرباطي سردية أقرب لأن انطباعات ذاتية للكاتب في استرجاعه لكثير من ذكرياته التي عاشها عبر عقود، ولو أنه لم يصرح بذلك. السردية ليست مذكرات ولا رواية، لا ضابط زماني ولا مكاني في نصوصها المتتابعة، سوى ما انتجه عقل الكاتب من مواقف حصلت معه في حياته ودونها، ما يتبقى في عقل القارئ من استنتاج يلتقطه من السردية التي يقرؤها.
حسام الدين الفرّا هنا في سرديته يعود هو ونعود معه الى حياة عينات كثيرة من السوريين. هو ابن الريف الإدلبي وقريب من الرقة وبينهما عاش بعض حياته. درس وأصبح واحدا من سلك التعليم، ككل السوريين الذين يرون بدول الخليج منقذا من الفاقة وقلة العمل وعدم مردوديته في سورية وذلك منذ عقود الى ماقبل الثورة السورية ربيع ٢٠١١م. من يذهب للعمل في كل أصناف الاعمال الدنيا في ظروف قاسية ليعود بعد ذلك ليبني بيتا أو يتزوج او يؤسس عملا متواضعا يعتاش منه، او ليصيع بسيارة فارهة تظهر عقدة الفقر وقلة الوعي والحيلة. التعليم على سبيل الإعارة التي كانت معتمدة بين الدول العربية، تحدث عنها الكاتب والتقط ما يعانونه يعيشونه في الإمارات كنموذج عايشه هو، وسفرهم وعودتهم لبلادهم كنموذج عن دول الخليج ، ما كل ما يعانونه وقد يكن احيانا حوادث مميتة تنهي حياة شقاء وتعب وغربة.
يلتقط الكاتب مواقف أخرى الدولة السورية التي تقع تحت هيمنة الأجهزة الأمنية المتغلغلة في حياة الناس تراقب انفاسه وحركاته، وكيف تسير الأمور بالرشاوي والقرب من النظام ورموزه. الدولة المستباحة من نظام استبدادي طائفي يعتمد على واجهات كرتونية وادّعى ان حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع ومعه الجبهة الوطنية التقدمية وان هناك انتخابات ديمقراطية لمجلس الشعب. والحقيقة هيمنة أمنية وعسكرية طائفية على مفاصل الدولة والمجتمع، وبقوة القمع والاعتقال والسجن وسجن المعارضين وتدمير المدن ان احتاج الامر. وإن كل ما يدعيه عن انتخابات وتمثيل للشعب هو مجرد ادعاء سخيف يعرفه كل الناس ويساقون كالاغنام لتمثيله.
كما يتحدث عن واقع الانقسام المجتمعي إلى البنى التقليدية المتوارثة من عشائرية وعائلية ودينية وطائفية لتكن هي حقيقة ولاء الناس، مهما ظهر عليهم أنهم تأثروا بالفكر اليساري الماركسي والقومي والليبرالي، كل هذا يؤكد ان الدولة والسلطة ما قبل الوطنية المستبدة الطائفية عندنا تجعل الناس يلجؤون الى بنيتهم المجتمعية السابقة لحمايتهم وتوكيد مصالحهم طالما أن الدولة لا تحمي مصالحهم كما هو حال سورية عبر عقود.
يقترب الكاتب من حال الجيش السوري بكونه بؤرة هيمنة طائفية في قادته ومتطوعيه، واعتماد الفساد ، كونه أسلوب معتمد في تسويد الواسطة والرشاوي واستغلال المجندين الإجباري سواء من السوريين خريجي الجامعات او الغير متعلمين. الكل يستنزفون في كل وقت وحين. في طلب الإجازة في الحصول عليها، في السخرة في المهمات والمطالبات والمتابعات اليومية .
لا يبدو في سردية الكاتب أنه توقف امام الحدث الأهم في حياة السوريين منذ الاستقلال إلى الآن وهو ثورة ٢٠١١م. وتبعاتها. له اسبابه؟!. لا يتوقف عندها الا ليقارن بين قادة النظام وقادة القوى التي ادعت أنها تمثل الثورة، ويقارن بين فعل النظام وفعل القوى العسكرية الكثيرة التي توالدت بعد الثورة. توقف كثيرا عند سورية التي قسمتها القوى الدولية والاقليمية كغنيمة حرب، وفي عنوان متميز اسماها أكله السبع دول واصفا حال سورية التي أصبحت محتلة من كثير من الدول وأصبح شعبه داخلها اسير فقير وجائع ومستعبد، اما خارجها فهو لاجئ ومنبوذ ومضطهد وعرضة لأسوأ المعاملات.
كتب حسام الدين الفرّا من واقع ما عايش في سوريا قبل الثورة وبعدها، لم يبخل بسخريته المرة في كل ما كتب، حتى على رامي مخلوف اخطبوط الاقتصاد السوري والفيديوهات التي ظهر بها وما آلت اليها احواله، بعدما انقلب عليه النظام وحاول استرجاع ما في جعبته من مال سوريا المنهوب. ولا مجلس الشعب الذي عجّ بالكثير من الممثلين والمطربين الذين شكلوا جوقة كذب وتزييف وعهر سلوكي .
وغيرها كثير…
كثيرة هي المواقف السورية والدولية التي تحدث عنها الكاتب، مثل حال ترامب الرئيس الأمريكي، وحال السوريين الذين توزعوا في أقطاب الدنيا يعيدون تذكر ماضيهم القريب البعيد المستحيل العودة إلى مرابعه…
السردية مليئة بالمواقف نكتفي بهذا القدر…
في التعليق عليها نقول:
إننا أمام نمط جديد من الكتابة هو أقرب للإدلاء بشهادات عن وقائع متنوعة عن حياة استمرت لعقود. ترضي الضمير، وتعيد احياء الذاكرة، لكي لا ننسى، وتتميز بأنها تعبير شخصي، كأنه يقول هذا ما عشته أنا. لا تتعب في الغوص في ما صار ولماذا صار والى ماذا يصير، هو ككل السوريين وجد نفسه قشة في مهب الريح تلعب به… حمد الله مثل كثير من السوريين أنه مازال حيّا واستطاع ان يرفع صوته بسرديته هذه على مبدأ : انا هنا…
لم يعد الى حكاية النظام المستبد الطائفي الذي سرق الدولة واستثمرها لعقود، و استعبد الشعب، وعندما تحرك الناس للمطالبة بحقوقهم بالحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل، واجههم بالفناء والقتل والطرد وتدمير مدنهم على رؤوسهم. والعالم كله يشهد ويصمت ويستقبل مرغما أفواج اللاجئين الذين لم يغرقوا في البحار أو يؤمن لهم خيما على حدود الدول المجاورة لسوريا، لا تحميهم من جوع وبرد وفقر وامية…
ليكونوا شهادة العصر على عار يجلل العالم كله…
لعل حسام الدين الفرّا اعتبر ذلك بمثابة بداهة لا تحتاج أن يتحدث عنها…
وهي فعلا كذلك …
١٧ . ٩ . ٢٠٢٢م.