لآفاق حرة
الشارع
(مقال أدبي)
بقلم محمد فتحي المقداد
تُشرِع الأعيُن في الشَّوارع نظراتها، ويشرَع النِّاس بتحيَّاتهم لمن يلقاهم ممَّن يعرفون ولا يعرفون، وتتخالط وتتمازج الأحاديث واللَّغط مُشرَعة لاستماع الجميع.
فهل تُلام الأعيُن بمُلاحقة من تُشرِع من خباياها المُثيرة، وبألوان أرديتها الشفَّافة والمُزخرفة والشَّامِرة عن بياض جسدها.
فالشُّروع بأيِّ موضوع لابدَّ من أشرعة مشروعة كوسائل لإنفاد ما سيُشرَع به.
ومن أشْرَعَ نوافذه على مصاريعها، لا يلومُ الرِّيح بجلب الغُبار من أماكن بعيدة، ولا يشكو من ضياع أوراقه من على الطَّاولة؛ تتطاير هاربة من النَّافذة المُشرَعة. ولا يقدر أن يلومَ من يصرخون ويثيرون الضَّجيج هُناك في السَّاحة المُقابلة لبيْته، ولا من عابري الطَّريق الصَّاخبين بطبيعتهم الفوضويَّة.
في الشَّارع الأُمور مُشرَعة على كُلِّ الاحتمالات المعقولة وغير المعقولة، فلا تتعجَّل باستجلاء ما يحدُثُ من أمورٍ مُشرَعة ومُتاحة للكُلِّ بلا استثناء.
الأرصفة والأعمدة والأشجار وسِلال المُهملات وإشارات المرور والعمارات والبيوت تتربَّع بجوار الشَّارع من الجهتيْن.
الشَّارع والطَّريق والدَّرْب والزُّقاق والزَّنقة هي مرافق عامَّة، من حقِّ الجميع الاِرْتفاق فيها، والاِعْتداء عليها اِعْتداء على الجميع. والسُّفن إذا فرَدَت أشرعتها غادرت الميناء إلى وجهتها. وفي شرائعنا الدِّينيَّة والأخلاقيَّة والاجتماعيَّة حصون حافظة لخصوصيَّتنا أمام سيْل العولمة الجارف.
ــــــا 12\6\ 2025