كتب نجم الدين سمان. هارتموت فاندريش .. أدبكم جاد جداً !.

هارتموت فاندريش .. أدبكم جاد جداً !.

بقلم. نجم الدين سمّان

أتيح لي لقاء الدكتور هارتموت فايندريش.. مرّتين في دمشق؛ مرّةَ.. حين تعارفنا؛ وكان قد أبدى رغبته في ترجمة قصص قصيرة لكتاب سوريين؛ بعد أن ترجم الكثير من الإبداعات العربية إلى اللغة الألمانية؛ عندها أعطيته قصّتين لي.. ليختار منهما ما يُناسب القارىء الألماني؛ فاختار قصة لي بعنوان “شهلا”؛ ضمن كتابٍ صدر بالألمانية: “قصص قصيرة من سوريا” عام 2004؛ وقصتي الثاتية ضمن كتابه: “نصوص قصصية وروائية عربية” 368 صفحة.
ومن المُترجَمِ لهم: زكريا تامر؛ يوسف إدريس؛ نجم والي؛ إبراهيم صموئيل؛ محمد مستجاب؛ إبراهيم الكوني؛ خالد خليفة؛ بثينة كامل؛ جميل حتمل؛ حيدر حيدر؛ منصورة عز الدين؛ بشير مفتي؛ حسن داوود؛ ادوارد الخراط؛ هيفاء بيطار؛ ابراهيم أصلان؛ سلوى بكر؛ رجاء عالم.. وآخرين.
عُرِضَ الكتاب لأول مرّة في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب 2022.

في دمشق عام 2003 التقيته وتبادلنا الحديث عن الأدبين الألماني والعربي بالطبع؛ ابتسمت لحيته البيضاء وابتسمت عيناه تحت نظارته.. حين قال:
– أنتم تعرفون عن أدبنا الألماني.. أكثر مما يعرف الألمان عن أدبكم العربي.
أجبته: – نحن شاطرون في استيراد كلّ شيء؛ وفاشلون جداً في تصدير أيّ شيء !.
طوال حديثنا.. كنّا نتكلم الفصحى التي يُجيدُها هارتموت أكثر من أغلب العرب البائدة.
بعد أقلّ من عام.. رنّ هاتفي؛ فإذا صوته من دمشق مرة ثانية؛ يسأل كيف نلتقي؟؛ قلت: في ساحة باب توما.. كالمرة الماضية.
حين بدأنا نغوص في أول الحارات الدمشقية العتيقة.. قال لي هارتموت:
اخترت قصتك ” أم العبد ” لكن ترجمتها تحتاج إلى جلسة مُراجعة لها.. معاً.
سألته: – ولماذا اخترتها أولاً.. ولم تختر القصة الثانية؟.
قال: – لأنها.. ساخرة.
صَمَتَ لبضعِ خطوات.. ثم قال: – أدبكم.. جاد جداً!.
كانت قصتي “أم العبد” عن طفل يعبر من طفولته إلى مراهقته الأولى؛ بينما يذهب أسبوعياً مع جدته وأمّه إلى حَمَّام السوق؛ حين بدأت أم العبد تراقبه بحذر.. وكأنما اكتشفت لحظة تحوُّلِه من طفلٍ إلى مراهق.
أم العبد.. التي تقوم بفرك أجساد النساء المغتسلات بكيس الحمّام العجمي؛ وتدعكهم بالليفة وصابون الغار الحلبي؛ كما تقوم بعمل مسّاجات لهنّ؛ وهُنَّ على البلاطة الساخنة؛ وتُعالج آلام المفاصل والعمود الفقري.. بالطرق الشعبية؛ كما.. بكاسات الهواء؛ وقد تحوَّل حذرها من الطفل.. إلى عداءٍ مُعلنٍ لمراهقته الأولى؛ عبر مفارقات شعبية ساخرة؛ حتى طرَدَتهُ أخيراً.. من جنّة الماء والبخار وطقوس النساء.
قلت لهارتموت.. ونحن قبالة حمّام البكري:
هل دخلتَ إلى.. حَمَّام شعبي شرقي؟!.
فقال: – لا.. للأسف.
بعد زيارتنا لحَمَّام البكري في حارة باب توما.. وبعد جولة في أقسامه؛ جلسنا إلى طاولةٍ في أحد بيوت دمشق وقد صار مقهى؛ في بدايات تَحَوُّلِ دمشق القديمة إلى غابةٍ من المقاهي و المطاعم والفنادق؛ كان أغلبها مملوكاً.. لغاسلي أموالهم القذرة.
بعد ساعة.. كنّا قد تجاوزنا أيَّ التباسٍ؛ قد يحصل خلال الترجمة من لغةٍ إلى لغةٍ أخرى؛ ومن مفاهيم شعبٍ و فلكلوره و ثقافته الاجتماعية؛ إلى مفاهيم وثقافة شعب آخر؛ و بخاصةٍ.. بين شرقٍ وغرب؛ وبين سوريا وألمانيا.. تحديداً.
تنهّد هارتموت فايندريش:
– ترجمةُ قصةٍ ساخرة.. تُعادِل عندي ترجمةَ روايةٍ كاملة.
بعد سنةٍ.. أرسل لي هارتموت نسخةً من الكتاب الذي ترجمه وصدر في سويسرا؛ لخمسة قاصين سوريين: القاص الراحل جميل حتمل ـ إبراهيم صموئيل ـ نجم الدين سمّان ـ فيصل خرتش – كوليت نعيم بهنا
وبعد أكثر من عشرة أعوام.. قرأتُ له تصريحاً في حوارٍ أُجرِيَ معه:
الأدب العربي جادٌ جداً.. و الأعمال الساخرة فيه أقلّ ممّا لدى الشعوب الأخرى؛ السخرية تفتح باب النقد و الكشف عن سلبيات المجتمع والسياسة والتاريخ.
وفي حوارٍ آخر.. معه؛ قال:
– ما زال الأدب العربي لدينا يحمل بطاقة مكتوب عليها: ” ألف ليلة وليلة “. ولهذا العمل دور أدبي مهم، لكنه في الوقت نفسه يُضفي صورةً نمطيةً على الشرق. حيث تتلقى مترجمة “ليالي ألف ليلة و ليلة” دعوات في كلّ ربوع ألمانيا؛ وفي تلك الأمسيات تُعزَف موسيقى شرقية، ثم تقرأ المترجمة من حكايات ألف ليلة، وتمتلئ القاعة بالجمهور. أما حينما أريد أن أعقد ندوة مع كاتبٍ جديد من سوريا أو.. من ليبيا، فيتحتم عليَّ أولاً.. أن أجد مكتبة مُستعدةً لاستقبال الندوة، وأكون سعيداً عندما يحضر عشرة أشخاص أو عشرين شخصاً.
وعن تأثير الربيع العربي.. على حركة ترجمة الأدب العربي إلى لغات الغرب.. قال هارتموت فايندريش: – بعض الناشرين الألمان اتصلوا بي تلفونياً بعد مرور نحو شهرين على المظاهرات الاحتجاجية في العالم العربي؛ وسألوني عن أعمال عربية ترصد هذا الربيع العربي؛ وأجبتهم بأنها تحتاج إلى وقت.. لتظهر؛ لكنهم قالوا: متى ستظهر.. إذاً ؟!؛ ويتابع هاينريتش:
– العديد من دور النشر الغربية و الألمانية منها.. غير مقتنعة بأن كتابة هذه المرحلة تحتاج إلى وقتٍ أو تأمل؛ وتهمُّها الآن.. العناوين والقصص التي تدور حول اللاجئين والفارين من المناطق المُلتهبة بالصراعات، وهي محلُّ طلبٍ من الناشر الألماني، لأنها عناوين “بيّاعة” !!.
يُضِيف د. هارتموت: – حاولت إقناع مديري دور نشر ألمانية؛ بترجمة أسماء عربية مهمة في الفترة الأخيرة، ولكنها للأسف.. لم تلق قبولاً.
و في حوارٍ ثالثٍ معه.. يقول فايندريش:
– عندما نُلقي الآن نظرةً إلى الوراء، نجد عدداً كبيراً من الكتب يُمكن لنا.. أن نكتشف فيها إشاراتٍ لما هو آتٍ؛ وهي نصوص كُتبت في غضون الخمسين عاماً الأخيرة، وتدور حول الشعور المُتنامي بالسُخط؛ وكذلك مشاعر الانتفاضة والتمرد.
و يُتابع: – الرواية الأشهر في هذا الصدد هي رواية “عمارة يعقوبيان” للكاتب المصري علاء الأسواني؛ التي تتناول نشأة الإرهاب؛ كذلك مارس الكاتب المصري صنع الله إبراهيم في روايته ” اللجنة ” نقداً حاداً لسياسة الانفتاح؛ أو لِمَا أسماه سياسة البيع التي مارستها الحكومة المصرية؛ وكتابُهُ مُترجَمٌ إلى الألمانية، لكنّ أرقامَ مبيعاتِه بائسة.
وعن دور النشر الألمانية التي تهتم بنشر ترجمات للأدب العربي.. قال د. فايندريش: – دور النشر التي اهتمت بالأدب العربي بصورة خاصة خلال العقود الأخيرة هي: دار “لينوس” في بازل؛ ودار ” أونيون ” في زيورخ. وفي سنوات الثمانينات.. “و بالتعاون مع مجموعة “كيبنهوير” للنشر، بدأ مشروع ” المكتبة الشرقية “.
كما أن هناك ” طبعة الشرق ” في برلين، و “دار علاوي” في كولونيا التي تُعنى بنشر الأدب النسائي العربي الحديث؛ ودار “لوخترهاند” قامت بنشر رواية “عزازيل” ليوسف زيدان. وفي دار “هانزر” ظهر عدد من الأعمال العربية، مثل رواية: “مطر حزيران” للكاتب اللبناني جبور الدويهي، و تُظهر الدار انفتاحاً تجاه نشر أعمال عربية أخرى. كما أن دار “إس. فيشر” بدأت بنشر روايات الكاتب المصري علاء الأسواني، وصدر لدى دار “زوركامب” في الفترة الماضية كذلك عدد من الأعمال اللبنانية.
بطاقة تعريف:
ولد هارتموت فندريش في مدينة توبنغن الألمانية عام 1944، و درس اللغات السامية و العلوم الإسلامية و الفلسفة بدءاً من عام 1966 في توبنغن و مونستر و لوس أنغليس. ومنذ عام 1978 يقوم فندريش بتدريس اللغة العربية والتاريخ الحضاري الإسلامي في جامعة زيورخ التقنية. بدأ عمله كمترجم للأعمال الأدبية في سنوات الثمانينيات بترجمة روايات الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني. ابتداء من 1984 وحتى 2010 كان يشرف على إصدار سلسلة “الأدب العربي” في دار لينوس السويسرية.
تقديراً لإنجازاته في ترجمة الأدب العربي حصل على جوائز عديدة، منها “خاتم هيرونيموس” عام 1995 الذي تمنحه رابطة الكتاب الألماني، وجائزة الترجمة من الجامعة العربية في عام 2004، وجائزة الترجمة الدولية من خادم الحرمين الشريفين الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز عام 2009، وميدالية جوزيف زعرور من جامعة سانت جوزيف في بيروت عام 2013.
من بين الأعمال التي ترجمها هارتموت فندريش روايات: للروائي المصري نجيب محفوظ والكاتب الفلسطيني إميل حبيبي وكذلك الكاتب الليبي إبراهيم الكوني. وقد ظهرت لدى دار نشر “أونيون” ترجمته لرواية “طوق الحمام” للكاتبة السعودية رجاء عالم. و رواية للكاتب علاء الأسواني عن دار ” إس. فيشر ” الألمانية.

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!