لماذاكلُّ هذه الكُتب؟! / بقلم: سيد مسعود ( إيران )

 

 

يسألونك: “لماذا تشتري كلَّ هذه الكتب؟” أو “هل قرأتَ هذه الكتبَ كلَّها؟”.

سؤال يُطرح لا محالة على كل محبّ للكتب ومولَع باقتنائها، مِن قبل مَن لايقرأ ويصدّ الناس عنها أيضا ليكونوا سواءً.

طبعا تعرّض الكثيرمن الكتّاب للإجابة عنهذا السؤال ، وقد اطلعتُ على بعض هذه الإجابات خلال مطالعتي المقالات المنشورة أوالكتب المؤلفة في موضوع الحثّ على القراءة. غير أنني لم أجد جواباً شافيا مُقنِعا مثلما وجدتُه عند جبرا إبراهيم جبرا ، في قوله: «كثيرا ما يُبادرني زائرٌ يراني في داري مُحاطا بالكتب فيسألني بشيء من الدهشة: هل قرأتَ هذه الكتب كلَّها ؟ وقد تعلمتُ مع الزمن أن أجيب: لقد اطّلعتُ عليها كلِّها».

 

فما أجمل هذا الجواب وما أصدقه وأدقّه ! “لقد اطّلعتُ عليها كلها”. فإنّ كل ما تطّلع على الكتب إلا عن طريق الشراء والاقتناء ، وبعبارة: كل كتاب تقنيه تطلع عليه ، فلو لم يكن لك سوى هذا لكفى.

ومن فوائد الاطلاع على الكتب أن القارئ يتصرف معها تصرّفا يصدر عن علم ومعرفة ، فيعطيك لكتاب حقه ؛ فهنا ككتاب يجدر أن يُقرأ حرفا حرف او كلمة كلمة ، وكتاب يستحق أن يكون كتاب العمر والحياة، وآخر يُقرأ منه ويُترك ، وآخر يُتصفّح أولا يجاوز النظرُ فهرسَ محتوياته. وإلى هذا المعنى يشيرُ الكاتب الإنجليزي ، فرنسيسبيكون في مقولته الشهيرة: “بعضُ الكتب وجد لكي ما يُذاق ، وبعضها لكي ما يُبتلع ، والبعضُ القليلل كي ما يُمضغ ويُهضم ، وليمتثله المرء في كيانهإ لى الأبد”.

أورد الأستاذ جبرا في كتابه “معايشة النمرة ” قول طلاب إحدى كليات أكسفورد ، وهم يتكلم ونعن (توماس إدوارد لورنس) قائلين: “إن مكتبة الكلية كان فيها نحو مائة ألف كتاب ، وفي ثلاث سنوات من الدراسة تعرف (تي.إيلورنس) عليها جميعاً”.

نعم ، قد لايمكن الاطلاع المطلوب على هذا الكمّ الهائل من الكتب خلال هذه المدة ، لكن القارئ يستطيع تبيّن الطريق قبل سلوكه ، على أقل تقدير، مما يمكّنه من التصرّف الحكيم معها في ما بعد حسب ما مر في مقولة فرنسيسبيكون، وهو أول عمل يقوم به المثقّف والباحث.

 

لنحفظ هذه الإجابة الرائعة الدقيقة: “لقد اطلعتُ عليها كلها ” ، لنُفحِم بها كل من يسألنا ، ناويا تحدّينا و تثبيطنا: لماذا كل هذه الكتب؟وهل تقرأ كلها؟.

 

أخي القارئ ، لاين النّ من عزمك على معايشة الكتب مايقوله المثبّطون ، لأنّ الكتاب هو الذي في حضرته تجد الأزمان المُدْبرة ، والعبرَ المُنجية ، والعظاتِ المُشجية ، والتجاربَ المصقّلة ، والعجائبَ المبهرة.

ألاترى الدولَ قد اندثرت ، والملوكَ قد نُسيت ، والأسواقَ تعطّلت ، والمنازلَ دَرست ، والقصور تهدّمت ، والحدائقَ بادت ، والأموال بارت ، والرجال هلكت، في وقت ترى الكتب وهي خالدة بحكمتها ، والمؤلّفات باقية بمعارفها،على مرالدهور والعصور.

 

وللهدرّ الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) القائل:

رَضينا قِسمَةَ الجَبّارِ فينا

لَنا عِلمٌوَ لِلجُهّ الِمالُ

فَإِنَّ المالَ يَفنى عَن قَريبٍ

وَإِنَّ العِلمَ باقٍ لا يزالُ

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!