الحلقة الثالثة
بقلم: فابيولا بدوي
مقدمة: حين صار الجسد ميدانًا للتشريع
تحوّل الجسد، وبالأخص جسد المرأة، إلى رقعة سياسية وأخلاقية، يُعاد تعريفه، تنظيمه، وتقييده باسم الدين، وباسم العرف، وباسم الفضيلة.
وهكذا…
لم يعد الجسد إنسانًا، بل “مشكلة” يجب تطويقها.
لم يعد الوجود “حقًا”، بل أصبح “عيبًا” يستدعي المراقبة والتأديب.
الجسد في الفقه: ضبط لا حماية
الفقه الإسلامي التقليدي، حين تناول جسد المرأة، لم يره كحقّ ذاتي، بل كـ”فتنة” ينبغي احتواؤها.
– فرض الحجاب لا بوصفه خيارًا روحيًا، بل نظامًا وقائيًا اجتماعيًا.
– تشريعات الستر والعزلة والحدود كلها بُنيت حول فكرة واحدة: أن المرأة مصدر تهديد، وجسدها دعوة مفتوحة للخطيئة.
لم تُبنَ التشريعات لحماية المرأة من الأذى، بل لحماية المجتمع من جسدها، كما لو كان الجسد لعنة يجب تحجيمها قبل أن تنتشر.
العيب والعار: السوط الناعم
كان لا بد من صناعة شعور داخلي، يرافق المرأة أينما ذهبت: العيب.
العيب ليس حكمًا دينيًا، بل سلاح اجتماعي. يُرسخ أن الأنثى مسؤولية وعار محتمل، ويحوّل حضورها الطبيعي إلى ذنب ينبغي دفع ضريبته بالصمت، وبالتخفي، وبالخضوع.
إنه شعور ناعم لكنه فتاك، أقسى من القانون، لأنه لا يحتاج إلى شرطي، بل يعيش داخل الضحية ذاتها.
المرأة التي تعيد إنتاج القيد
صارت المرأة نفسها، في كثير من المجتمعات الذكورية، حارسة لهذا السجن الرمزي.
– الأم التي تعلم ابنتها أن العيب قبل العقل.
– الزوجة التي تعيد على زوجها أساطير الهيمنة.
– المعلمة التي تقيس الأخلاق بطول الثوب لا بعمق الفكر.
مع ضرورة أن نقرّ أن هذه المرأة لم تولد سجّانة، بل شُكل وعيها منذ اللحظة الأولى لولادتها.
منذ الطفولة، تُزرع في عقلها الباطن معادلات الخوف والعيب والخضوع،
فتتعلم أن وجودها يجب أن يكون مشروطًا، وأن قيمتها رهن رضا الآخرين عنها.
وحين تكبر، لا تعرف كيف تخرج من هذا القيد،
فتتحول — دون وعي — إلى أداة تعيد إنتاجه،
كأنما تحمي نفسها حين تحرس السور الذي يحبسها.
تحالف الضرورة: مواجهة المجتمع الأبوي لا الرجال
إن تحالف النسوية الراديكالية والليبرالية، الذي ننادي به، ليس تحالفًا ضد الرجال. بل تحالف ضد النظام الأبوي الذي يشوه المرأة والرجل معًا.
إننا نمد أيدينا إلى كل رجل يدرك أن حريته ناقصة ما دامت أخته أو ابنته أو زوجته تُعامل كخطر أخلاقي متنقل.
إننا نقف في وجه الفقه الذي يأسر الجسد، لا في وجه الإيمان النقي.
رد التحالف على منظومة العيب
– الراديكالية ترفع الستار: أن تقول للعالم إن العيب ليس دينًا، بل سلطة.
– الليبرالية تفتح الأبواب: أن تكرس قانونًا يحترم الجسد باعتباره ملكًا لصاحبه وحده، لا ميدانًا للغير.
هكذا يتكامل الهدم مع البناء، والكشف مع الإصلاح.
الخاتمة: الجسد يعود إلى صاحبه
الجسد ليس فتنة.
الجسد ليس وصمة.
الجسد ليس ملفًا قانونيًا.
الجسد… هو أنا.
هو أنتِ.
هو نحن.
واستعادته هي استعادة كل شيء