كمال محمود علي اليماني
قبل سنوات بعيدة شاهدت على مسرح قاعة فلسطين في كريتر مسرحية لفرقة سعودية ، وكانت المسرحية من النوع الذي يُطلق عليه ( البانتوميم ) ، وهذا يعني أن حوار المسرحية سيكون صامتاً ، فلا كلمة تُسمع طوال وقت العرض؛ فالوسيلة الوحيدة لإيصال الحوار هو الجسد بإيماءاته وحركاته ، والتعابير التي يرسمها الممثلون على وجوههم كفنجلة العيون أو إغماضها، وفتح الفم أو إغلاقه ، واهتزاز الجسد أو جموده، وغير ذلك من الحركات التي من شأنها إيصال الحوار إلى المشاهد النبيه.
ويبرز السؤال ، وماعلاقة هذه المسرحية بما قرأته لكم في هذه السلسلة؟ الحق أن الشابة أنغام عدنان ، وهي شابة طموحة تتقد اجتهادا ومثابرة ، أهدتني نسخة من مجموعتها القصصية ( ولا كلمة ) ، وهي مجموعة ضمت قصصا خمساً لها تتناول موضوع التعليم من زوايا مختلفة ، والجديد في المجموعة أنها تعتمد في الحوار على الرسومات ومايمكن أن تقوله تلك اللوحات للقارىء ( مجازا).
لم أقرأ في حياتي مجموعة مماثلة في فكرتها ، وأحسب أنها فكرة رائدة -على الأقل في بلاد اليمن – اعتمادا على ماوصلت إليه من قراءات.
تقول في إضاءتها- التي تأخرت كثيرا حتى وصلت إلى الصفحة الأخيرة ، ولعل هذا التأخير فيما أرى كان متعمداً ؛ كي تتيح للمتلقي أن يصل إلى رسائل قصصها دون تدخل منها ، ثم منحته هذه الإضاءة كي تؤكد صحة ما وصل إلي المتلقي من عدمه- : (( اخترت أن يكون ( التعليم ) محور مجموعتي القصصية الأولى التي قررت أن أجعلها مجموعة مصورة صامتة بحثا عن إجابة لسؤال ظل يشغلني ردحا من الزمن؛ وذلك السؤال هو: إن كانت الصورة تعبر عن ألف كلمة ، إذن الكلمة الواحدة –التعليم مثلا- كم صورة تحتاج لنعبر عنها دون أن نستخدم ( ولا كلمة) في السرد أو الحوار؟!)).
وأنغام عدنان وإن وصفت مجموعتها القصصية الأولى بالصامتة ، فإنما جاء وصفها ذاك من خلوها من الكلمات، لكنها في حقيقة الأمر كانت مجموعة صائتة ، نعم، هي صائتة بكل تأكيد إذ أنها ترفع صوتا عاليا ومدويا يهز أسماع المجتمع جرّاء مايقع على المرأة – من وجهة نظرها- من العسف وعدم الانصاف في التعامل معها.
في القصة الأولى ( خارج الصندوق) تتحدث عن أهمية الفن في حفظ التوازن النفسي للفرد حينما يكون خارج الصندوق. ولعل هذه القصة –من وجهة نظري- هي درة عقد المجموعة لما تميزت به من ابتكار لفكرة القصة.
القصة الثانية ( العنصر النسائي) وهي منذورة للحديث عن الظلم والغبن اللذين تتعرض لهما المرأة إن هي طرقت مجالا استفرد به الرجال ، ولتصوير مقدار ماتتعرض له من الضغوط لجعلها مزهرية تزين المكان ليس إلا.
وكان عنوان القصة الثالثة ( نور) ، وبطلتها، طيبة الذكر الست نور حيدر سعيد ، طيب الله ثراها ، وهي أو ل مدرسة عدنية أسست للتعليم الحكومي النظامي ، ولهذا فقد ارتأت أنغام أن تضع البورتريه المتعلق بها غلافا رئيسا للمجموعة ؛ تشريفا لنا وتخليدا لذكراها ، كما جاء في وصفها.
القصة الرابعة ( صُنع بحب) ، وتناولت فيها القاصة بشكل مقتضب ثلاث قضايا تتعلق بالمرأة ، أولها الزواج المبكر ، وثانيها الحرب والنزوح ، وأخرها محو الأمية .
أما القصة الخامسة ، وهي خاتمة المسك ، فقد جاءت بعنوان متفرد ومبتكر هو ( 10% ) وخصصتها أنغام لعرض يوم واحد من تفاصيل حياة معلمة عدنية معاصرة ، وأبرزت من خلالها مقدار المعاناة التي تتكبدها.
المجموعة الرائعة التي بين يدي ماكان لها أن تكتسب روعتها من خلال قصص الرائعة أنغام عدنان فحسب ، بل إن جهوداً فنانة ومبدعة أيضا أبرزت كل ذلك الجمال ، وأعني بهذا ريشات الشابات اللائي قمن برسم لوحات القصص ، وهن على التوالي ، وحسب ترتيب القصص:
حنان رويس، شهد باشراحيل ، صفاء أنيس ، مروة علوي ومريم السعيدي.
رسمة الغلاف كانت بريشة الفنانة صفاء أنيس، وعلى الغلاف الداخلي ظهرت لوحة من إبداع الرسامة رفيدة فيصل، وعلى الغلاف الداخلي الأخير ظهرت لوحة للفنانة نور حسين المقدي. الإخراج الفني للمبدعة رنا محمد ، وشكر للمترجمة سمية سمير.
بقي في الأخير أن اذكر لكم أن المجموعة ظهرت ضمن مشروع مديرته القاصة أنغام عدنان ، وهو جزء من مراكز الإبداع اليمنية بتمويل من الاتحاد الأوربي ،وتمويل مشارك من قبل معهد جوته.