العبادات والإلزام الخلقي
وحسب رأيي الشخصي وليس نقلا عن أحد، أن الإسلام صمم العبادات لكي يبني بها الإلزام الحلقي في النفوس، وقد جعل ذلك في متواليات يؤدس بعضها إلى بعض، وعلى النحو التالي:
11 – رسخ الإسلام بداية عقيدة الإيمان بوجود إله له قدرة مطلقة في معرفة ما توسوس به الصدور، وما يخفى على البشر، وهناك ثواب وعقاب على ابسط الأعمال ( ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) وأن الثواب والعقاب مترتب على عملك الإرادي، أكان خيرا أو شرا.
1- بما أن الإيمان بالله هو ايمان غيبي، قابل ان بكون جليا في الذهن، وقابل ان يبهت أو يختفي، ولكي يبقى هذ الإيمان واضحا وجليا وفاعلا في النفس فقد فرض الله العبادات فيما بعد، أي بعد ان استقر الإيمان في النفوس، وهي اركان الإسلام الخمسة؛ الشهادتين والصلاة والصوم والزكاة والحج. وذلك كي يبقي الإيمان في مستوياته العليا، او المقبولة
2- من الواضخ ان هذه العبادات قد أثارت كثيرا من نقد المستشرقين، كالمستشرق بروكلمانن، بأنها حركات متكررة عبثية، وخاصة الصلاة، وهذه المثلبة التي وجدوها هي السر وراء الإلزام الخلفي الذي ينوي الإسلام تكريسه في النفوس.
3- هذه العبادات الأربعه المفروضة جعل الله لها صفتين مشتركتين، أولا إنها ضد العادة وثانيا ليس لها فائدة مادية، فالصلاة وخاصة صلاة الفجر، ضد عادة النهوض المبكر من النوم، للوضوء ثم الصلاة، لذلك فهي ثقيلة على المصلين، ولا يمكن اعتبارها رياضة صباحية أو الاستعداد للعمل الصباحي، أو أي شيء آخر، وكذلك الصوم فهو أيضا ضد العادة في الإمتناع عن الأكل والشرب طوال النهار، وأيضا لا يمكن اعتباره ريجيما او حمية او توفيرا للطعام، وقد نهى الرسول عن الصوم المستمر خوفا ان يصبح عادة، والزكاة أيضا ضد عادة الكنز والتوفير، واخراج الزكاة ليس استثمارا، فلا فائدة مادية ترجى منه، والحج كذلك، انه رحلة نحو بلاد قفراء، لا يمكن ان تكون مقصدا سياحيا، ومنتجعا ترفيهيا، لذلك فإن رحلة الحج مكلفة متعبة لأرض مقفرة إنها ضد العادة ولا فائدة منها.
4- إذا فالسؤال يطرح نفسه، لماذا نقوم بهذه الأعمال العبثية؟ إننا لا نقوم بها إلا إذا كان لدينا إيمان بأن الله موجود، وأننا نطيع أوامره لإيماننا انه موجود فعلا، ولا نطيعه إلا لأننا نحبه ونخافه، وهذا الأمر هو اشبه بإطاعتك لأمر ابيك بأن تفعل امرا لست مقتنعا به، ولكن حبك لأبيك أو خوفك منه يجعلك ان تفعل ما أمرك به مع عدم اقتناعك بجدواه.
5- وهذه العبادات التي نقوم بها يوميا وسنويا ومرة في العمر تجعل استحضارنا لله عميقا ومستديما استدامة العبادة المتواصلة، وأن الشر الذي نقترفه يعلمه الله ويعاقبنا عليه أو يثيبنا وإن غاب عن القاضي وعن لوم العشيرة والجيران وعن عقاب والدك او شيخك.
66- إذن فإن تمثلنا لله في كل وقت يجعلنا ملتزمين بفعل الخير دائما متجنبين فعل الشر كسلوك دائم، لأننا نعلم اننا مثابون على فعل الخير ومدانون على فعل الشر، أعَلِمَ بذلك الناس او لم يعلموا، وبالتالي فعذاب الله ونعيمه لا يكون على الصلوات إنما على مقدار التزامك الأخلاقي في تصرفاتك الحياتية.
77- ان الجرائم والشرور التي نعاني منها، ماهي إلا بسبب اعتقاد الجاني ان لا له عقاب عند الله، وان الهروب من العقاب الدنيوي، يعني قوزه بما اقترفه من سرقة او اغتصاب او اعتداء، أما إذا اعتقد أن لا فرار من العقاب، أكان ذلك في الدنيا او الآخرة ، فإنه كفيل بأن يردع الإنسان قبل أن يردعه القانون والمجتمع، وكذلك عمل الخير الذي تفعله ولا يعلم به أحد او لا يثني عليك إنسان، فاعلم ان الله لن يبخسك عملك.
88- إذن فالعلاقة طردية ما بين إقامة العبادات وبين الإلزام الخلقي، فكلما كانت العبادات صادقة وعميقة كلما كان الإيمان بالله قويا، وبالتالي يكون الإلزام الخلقي في الإنسان فعالا ورادعا، والعكس صحيح أيضا.
99- وإذا ما حصلنا على مثل هذه النتيجة، نكون قد صنعنا نموذجا بشريا مثاليا، أيجابيا في حياته، لا يفعل الشر أبدا، انما بفعل الخير أبدا، عندها تنتفي المنازعات والإعتداءات على الغير ويشيع الصدق والإستقامة، والإخلاص، وينتفي الفساد والخوف والتقاعس وكل ما نعاني منه في مجتمعاتنا.
100- قد لا تعطي هذه الطريقة نتيجة كاملة، ولكننا بشكل ما، نكون قد اوجدنا ثلة من المجتمع لها سلوك أخلاقي، يؤتي أوكله في المجتمع، ويغدوا نموذا يختذى لكل للناشئة من الفتيان، ينظمون حباتهم على هذا النسق من الإنضباط، وتغدو إثر ذلك القيم الخلقية عادات اجتماعية ملزمة، ولا نكون فد اصبحنا ملائكة، إنما نكون قد قلصنا الأعمال والتصرفات الشريرة والخاطئة والأشخاص الفاسدين في المجتمع إلى أدنى مستوى، في نفس الوقت رفعنا من نسبة الخيرين والمنتجين والصادقين إلى أعلى مستوى.
11- إذا… فالعبادات هي لتكثيف وجود الله في قلب الإنسان، وبالتال خلق التقوى من الله، وهذه التوى ستخلق ايقاظا للضمير، الذ هو الزام خلقي. فإذا لم يتولد عن العبادات إلزاما خلقيا في النفس، فلا نفع من أي صلاته وصيام وحج.
122- اذن هرمية الدين يجب ان نفهمها هي كالتالي: اعتقاد يوجود الله __ عبادات لتثبيت الإيمان — الزام حلقي كنتيجة حتمية للإيمان بالله.
133- والإلزام الخلقي الذي نسعى إليه ليس للنفع الفردي، ذلك ان الأخلاق والقيم ذات ضرورة قصوى للمجتمعات الإنسانية، فروبنسون كروزو في جزيرته النائية، جيث يعيش منفردا، لا يحتاج إلى الصدق والأمانه كما انه لا يكذب لأنه بحاجة إلى من يكذب عليهم، او يسرق منهم، فالإلزام الخلقي هو فائدة للمجتمع، ولا فائدة منها للأفراد خارج المجتمع.
144- ونلاحظ نص الآية الكريمة ( ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) فقد استعمل الله اسم الشرط (مَنْ )، ليعني بذلك كل البشر مؤمنين وكفار وملحدين ولا دينيين، وأن كل عمل تقوم به سينعكس عليك ضررا أو نفعا، ولو استبطن كل منا نفسه لوجد أن الله لم يبخسه يوما أجر خيرٍ قام به، ولم ينج من جناية شرٍ قارفه وأصر عليه.
155- ويقال عن المسلمين في الغرب، انهم اكثر الناس عبادة وأقلهم التزاما بالأخلاق، وهذا صحيح ولعله نابع من عدم فهمهم لهدف الدين والعبادات، لأنهم يعرفون ان الصلاة مطلوبة لذاتها، والله يثيبهم حسب صحة صلاتهم ومطابقتها لصلاة الرسول، وكما أوضحها الألباني, ولا يرى أن العبادات وسيلة لبناء الإلزام الخلقي، ولا يعلم أنها إذا لم تؤدِ إلى الغاية التي وجدت من اجلها فهي لاغية، فالله قد حدد هدف الصلاة بأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وبما أن الصلاة ذروة سنام الإسلام، فإت هدف الإسلام هو اقامة الإلزام الخلقي في النفوس,
16- إن بعض الذين يرتكبون الذنوب عن بصيرة، يمؤمنون بعفو الله وغفرانه، إذا ما اخلصوا الدعاء إليه ان يسقط عنهم الذنوب، وهذا حعلهم يتمادون بالخطأ، ففي الأصل ان لا تخطئ عن وعي وتصميم. انما الخطاء المغفور هو الناتج عن نقص بشري في الذاكرة او الفهم او ضعف القدرة او القوة