إن واقعة الإسراء والمعراج هي من المع الأحداث في السيرة النبوية العطرة، ذلك أنها حادثة تدل على حظوة الرسول عند الله وتؤكد لكل المتشككين بنبوته، ونحن المسلمين نحتفل بهذه المناسبة احتفالنا بمولد الرسول وهجرته إلى المدينة المنورة، ولو سألت أي مسلم في العالم عن الإسراء والمعراج لأخبرك بإطناب عن ذاك الصعود إلى سدرة المنتهى سماء بعد سماء.
لنقرأ ما وردنا من آيات قرأنية أحاديث وسير عن الإسراء قراءة متأنية في الوقائع والروايات والتفاصيل والغاية من إسراء الرسول ومعراجه.
1- ما ورد في القرآن الكريم عن الإسراء هو قوله تعالى في الآية الأولى من سورة الإسراء {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } أما ما تلاها من آيات فإن الله لم يذكر أية تفصيلات أخرى, فلم يأت على ذك المعراج لا لفظا صريحا ولا مجازا ، رغم أن المعراج هو أهم من الإسراء الذي كان نحو المسجد الأقصى، وأنا أضع هذا التساؤل برسم الإجابة المقنعة، أعلم أن الكثيرين سوف يعتمدون على الأحاديث النبوية التي جاءت بالتفصيلات، وأعلم أن مساءلة الله عمل يجانب الأدب مع رب العزة.
2- قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في رواية البيهقي في حديث معنعن عن الزهري عن عروة أنها قالت ( لما اسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يحدث الناس بذلك فارتد ناس كانوا قد آمنوا به وصدقوه, وسعوا بذلك إلى أبي بكر فقالوا: هل لك في صاحبك؟ يزعم انه أسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ فقال : أوقال ذلك ؟ قالوا نعم قال: لئن كان قد قال ذلك فقد صدق، قالوا فتصدقه إنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح قال : نعم إني لأصدقه فيما هو ابعد, أصدقه في خبر السماء في غدوه وروحه) انتهى النص ونلاحظ هنا إن الرسول قد اخبر الناس عن اسرائه إلى بيت المقدس ولم يخبرهم أنه عرج إلى السماء، وكان أولى به ان يخبرهم عن المعراج، ولا أطنه امتنع خوفا من صدمة ودهشة تفقده الجماعة المؤمنة التي اصبح لها وجودها وثقلها، فهل امتنع عن اخبارهم عن المعراج؟ ام لم يكن هناك معراجا؟
3- وفي رواية عن شداد بن قيس ،التي يصف رحلة الإسراء حيث صلى رسول الله في يثرب ثم في مدين فبيت لحم ثم أتى قبلة المسجد فصلى به ما شاء ثم عطش فجاء بإنائين احدهما فيه عسل والآخر به لبن ، فشرب اللبن فقال شيخ متكئ لجبريل اخذ صاحبك الفطرة، ثم انطلق راجعا إلى المدينة، ولم يعرج إلى السماء ولم يقابل الأنبياء ولم يتصل بهم، ولم يتطرق إلى العروج إلى السماوات السبع،
4- ان الروايات التي تتحدث عن المعراج منقولة في أكثرها عن أنس بن مالك رضي الله عنه وهو خادم رسول الله ( أكثر من عشر روايات) وكذلك عن حذيفة بن اليمان وأبن سعيد الخدري وابن عباس وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وغيرهم ، ومن الملاحظ هنا أن الصحابة المقربين من الرسول كعمر ابن الخطاب وأبي بكر وعثمان وعلي وبقية المبشرين بالجنة لم يأت في سيرة واحد منهم لمحة عن المعراج.
ان جميع الروايات التي أوردها بن كثير في كتابه تفسير القرآن الكريم ليست من كلام رسول الله ولا لغته أو أسلوبه وذلك للأسباب التالية:
1- فالأحاديث الصحيحة لرسول الله تمتاز بالرصانة والإيجاز والبلاغة، ولا تزيد عن عدة جمل، كما كان في الخطب التي ألقاها اثناء حجة الوداع ، إذ لم تكن لتزيد عن بضع جمل، والقصص الوعظية التي كان يتمثل بها كقصة السفينة التي تقاسمها ركابها واحدث احدهم ثقبا… ألخ لم تزد عن خمسة عشر كلمة ، لذلك لا نستطيع أن نقبل هذه اللغة البسيطة المهلهلة التي جاءت بلغة المحدثين والتي فيها اطناب بل ثرثرة موجهة لمستمعين، يستوعبون الحكاية على مهل بهذا الإسهاب المقصود.
2- كل المتون في هذه الروايات مختلفة في النص وفي الأسلوب ، فبعضهم راح يقص عن الرسول بماذا جرى، أي بلسان الخبير كما يقال في الأساليب القصصية، وبعضهم جعل الرسول هو المتحدث، وبعضهم جمع بين الأسلوبين، وهذا لا يتفق مع علم مصطلح الحديث الذي يشترط بالحديث الصحيح، ان تكون كل الروايات لها نفس النص، أي نفس الكلمات ونفس النظم، أما إذا كان هناك اتفاق بالمعنى دون النص فهو حديث حسن أو اقل درجة حسب اختلاف النصوص حتى يصل لدرجة مهمل.
3- نجد كل محدث قد تصرف بالحدث كيفما شاء فبعضهم أطنب بما لا يلزم مثل ما كان من جبريل والرسول حينما يسأل حاجب السماء جبريل عمن معه مثل ( صعد به جبريل إلى السماء الثانية فاستفتح وقيل من هذا معك ؟ فقال محمد رسول الله فقالوا أوقد أرسل إليه؟ فقال نعم فقالوا حياه الله من أخ ومن خليفة ) وتتكرر هذه الصيغة حتى السماء السابعة، وهذا يدل على فقر في التعبير اللغوي عند الراوي.
4- هناك بعض الملاحظات التي تقدح في صدقه هذه الروايات مثل
أ- ورد قي كل النصوص كلمت بيت المقدس، وهو خطأ فاضح لأن المسجد الأقصى كان في مدينة إيلياء، وهو ما ورد في العهدة العمرية بهذا الاسم وليس ببيت المقدس ( هذا ما أعطى عمر بن الخطاب إلى أهل إيلياء من الأمان ) أما اسم بيت المقدس فقد سمى في العهود اللاحقة بما يدل أن هذه الأحاديث وضعت في هذه الأزمنة.
ب – في رواية ابن عباس ( أن الرسول دخل الجنة فسمع وخشا فقال يا جبريل ما هذا قال هذا بلال المؤذن فقال النبي حينما جاء إلى الناس قد افلح بلال) ،في هذا الكلام عدم مراعاة للزمن، فالأذان تم استحداثه مع بناء المسجد في المدينة المنورة، وبلال كان مؤذنا في المدينة، وليس في مكة، أي بعد حادثة الإسراء فكيف وصفه جبريل بلالا بالمؤذن؟
ج – اختلف الرواة الذين اخذوا عن انس في رواياتهم، إذ راح كل راوٍ يتصرف بما سمعه زيادة أو نقصا أو حسبما يريد أو حسبما يراه جاذبا للمستمعين، وهذا التصرف الذي كان يجريه الرواة قبل وضع علم الجرح والتعديل, كان في نظرهم جائزا، ما دام يوصل المعنى، ولكن هذا شيء يخرج الأحاديث من موقعها كمصدر للفقه وللتشريع ليجعلها قصصا يتسامر بها الندماء مع قصص أنبياء بني إسرائيل.
د- لا نستطيع أن نناقش ما جرى في كل سماء ولكن ما ذكروه عن المسجد الأقصى، فقد وصفوه بأنه قائم كما هي المساجد الإسلامية، له أبواب كبيرة تفتح وتغلق ليلا ، ويقوم بذلك هرقل بنفسه، وفي ليلة الإسراء استعصى أحد الأبواب على الإغلاق, لأن رسول الله قادم تلك الليلة حتى يصلي به، ويئم بالأنبياء جميعا، وفي الصباح وجده هرقل أن الباب يغلق بسهولة، فهل كان هرقل في إيلياء أو بيت المقدس، وهل كان من واجبه؟ إغلاق المسجد وفتحه؟ هذا مع العلم أن سوريا الكبرى كان يحكمها الغساسنة، وموقعهم في هضبة الجولان، أي كانوا بعيدين عن القدس, وهم عرب يأتمرون بأمر الدولة البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية، أننا نربأ بالرسول أن يقول غير الحقيقة.
هـ – تم الاستئناس بآيات من سورة النجم والاتكاء عليها في وصف سدرة المنتهى حيث وقف الرسول هناك وأوحى إليه ما أوحى ،(ما ضل صاحبكم وما غوى ، وما ينطق عن الهوى.إن هو إلا وحي يوحى . علمه شديد القوى ، ذو مرة فاستوى ، وهو في الأفق الأعلى ، ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إلى عبده ما أوحى ،ما كذب الفؤاد ما رأى ، أفتمارونه على ما يرى ، ولقد رآه نزلة أخرى، عند سدرة المنتهى , عندها جنة المأوى) إن هذا التناص في التفسير ليس في مكانه، خاصة في هذه الآية ، حيث لا نص على المعراج، مع العلم ايضا ان سورة النجم نزلت قبل سورة الإسراء.
و- كل هذه الروايات كانت تركز على عظمة رسول الله ورفعته وتقدير الأنبياء له ، فهو التقي إبراهيم وآدم وعيسى ويحيى ، وموسى في السماء السادسة وقيل السابعة ، وفي رواية ابن مسعود التقاهم خلال مسافة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. ولكن تمجيدهم للرسول فائض عن الحاجة، فالرسول الذي عظمه الله كما لم يعظم إنسانا من قبل ومن بعد، فليس بحاجة أن يمجده سيدنا إبراهيم وموسى وغيرهم.
ز- في بعض الروايات ذُكِرَ أن الرسول كلم رب العزة وفي روايات أخرى انه رآه، وهذا مناف لصريح الآية 51 من سورة الشورى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)
ح – أهم ما في الموضوع أن الله عز وجل قد فرض على المسلمين خمسين صلاة في اليوم، فلم يعترض الرسول محمد على هذا العدد من الصلوات ونزل إلى السماء السابعة فمر بموسى عليه السلام وأخبره فقال له ارجع واطلب التخفيف فرجع فخفف الله عشر صلوات لكن سيدنا موسى طلب منه أن يرجع ويطلب التخفيف مرة ومرة ،حتى استقرت على خمس ، فنستطيع ان نفهم ما يلي:
• لقد كان المسلمون يصلون وهم في مكة كما يصلي الرسول في الخفاء عن قريش ، إذن فإن الصلاة لم تفرض عند سدرة المنتهى.
• بما ان المعراج كان هدفه فرض الصلوات فكيف صلى الرسول بالأنبياء في بيت المقدس قبل عروجه وقبل فرض الخمسين صلاة
• أظهرت هذه الرواية رب العزة على انه لا يعلم قدرات البشر الممكنة، فأمر بهذه الكمية من الصلوات التي تجعل المسلم دائم الصلاة تاركا لشئونه الحياتية.
• أظهرت سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم شخصية تائهة، غير قادر على فهم هذا الأمور وتقيمها ولا يعرف عواقب تطبيق هذا القرار الذي سيكلف أمته به.
• ظهرت شخصية سيدنا موسى كشخصية قوية ذات رأي واضح وتجربة عميقة، وجرأة فعالة، وان أفكاره التي أبداها أقنعت الرب، وانه بالتالي له الفضل على المسلمين بأن ملاحظته جعلت صلواتهم خمسا بدل خمسين والصلاة الواحدة بعشرة أمثالها.
• ونحن نربأ أن يكون الله على هذا التكوين الذي رسمته هذه القصة ، ولا أن يكون سيدنا محمد بهذه البساطة أو السذاجة بحيث لا يفكر بما يقال له.
• أرى أن هذه الحكاية من الإسرائيليات التي كان يروجها وهب بن منبه، الذي كان يهوديا واسلم، وهذه الإسرائيليات معتمدة على حديث شريف ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) فكان وهب بن منبه يتكلم بما يشاء ،لأن والده كان حاخاما، وربما كان لدية معرفة بالتوراة ، وربما كان يروي الحكايات ولا احد يستطيع أن يكشف صدقه من كذبه،
• وأرى أيضا أن الهدف منها هو بيان فضل سيدنا موسى على الإسلام والمسلمين، اذ خفض الخمسين صلاة إلى خمسة فقط، وهذا إنجاز يحسب له
• هذه الحكاية أشبه بأساطير اليونان حيث كان البشر والآلة يتكلمون ويتجادلون ويضعون القوانين