“وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ..”
في موكب عظيم مهيب، وجيش عرمرم من الإنس والجنّ والطير ، يقف اعظم ملوك الأرض ، ليعلّم البشريّة درسا في فنّ القيادة وسياسة الرعيّة والإدارة السليمة .
في “جولة تفقّديّة”، وبمسؤولية الراعي الجسيمة ومهمته العظيمة في “تفقُّد الرّعيّة” يتابع سليمان هذا الجيش الضخم ،بعيون القائد العارف بكل صغيرة وكبيرة في مملكته، يتفقّد احوال جنودة، لا تمنعه الأبراج العاجية، ولا الجاه ولا المُلك ولا المناصب أن يتابع كل جندي في موقعه، ومن حضر منهم ومن غاب عن أداء دوره.
فهذا الهدهد يغيب دون إذن مسبق من سليمان، فيتوعّده سليمان حرصا منه الا يختل النظام او تعمّ الفوضى في مملكته .
هي دعوة الى عدم التسيّب وخلخلة المجتمعات وتربيتها على الفوضى والتمرّد ، فلا يتذمر الفرد من تطبيق النظام ، هكذا ينتظم أمر الجند وسائر الأفراد في المجتمع.
وليس “التفقُّد” تتبّع العثرات والأخطاء والتجسس على الرعية، إنما التفقُّد هو تحسّس لأوجاع الناس واحتياجاتهم والسؤال عنهم لمعرفة سبب غياب الشخص وحاله ومآله والتماس الأعذار له وإعطائه مساحة للحوار والدفاع عن نفسه والاستماع الى المبرّرات والدوافع لكلّ تصرّف قد يصدر منه ،ومدّ يد العون له إن احتاج.
ما أجمل أن يتفقّد بعضنا بعضا!
وأجمل منها أن نلتمس الأعذار لبعضنا البعض.
كم حاكم او قائد أو سياسيّ أو مسؤول يشعر بغياب الهداهد الجائعة في بلاد العرب؟!
كم “هدهد” يتضور جوعا ويتألم من قسوة الحكام وظلمهم ولم يتفقّدهم أحد؟
كم طفل أو امرأة او شيخ يفترش الشوارع والمزابل والطين والوحل ويلتحف السماء ويتدثّر بالمطر والبرد في زماننا ولا يتفقّد أحوالهم أحد؟!
كم موظف يغيب عن موقعه في مؤسسته ويعاني سوء الإدارة والفوضى والرواتب المتدنية والظلم والقهر والمحسوبيات ولا يستمع اليه أحد؟!
ألسنا كلّنا جنود يؤدي كل منا دوره في موقعه لنرقى بمجتمعاتنا الى صدارة الشعوب؟
كم “جولة تفقّدية” فارغة من مضمونها يقوم بها الحاكم او المسؤول أو الزعيم ، ليست الغاية منها سوى التقاط بعض الصور له من اجل عرضها على القنوات والفضائيات ..؟!
ما أحوجنا الى حاكم أو قائد صادق حقيقي يتفقّد أحوال رعيّته ، يشعر بغياب اي فرد من موقعه ، يستمع الى احتياجاتهم ويتابع شؤونهم بمسؤولية!!
الى كل قائد ومسؤول كلٌّ في موقعه!
كم “هدهد” غاب عنك ولم تشعر به ؟
كم “هدهد” قدّمته لمجتمعك صنعته على عينك حتى أبدع في عهدك؟!