بين الكلا العميقة المزمجرة بعلو عقيدتها و الغطرسة التي طال طغيانها، ترتسم سيناريوهات عديدة قد وضعت للنزاع القديم المتجدد بين أمريكا وإيران، فمنذ بداية ثمانينات القرن الماضي ولليوم تمر هذه العلاقة المشوبة بالكر والفر في التصريحات والمواقف بأنفاق كلما ظن الظن أن نهايتها لاحت بالأفق فُتحت دهاليز أخرى حتى وصل إحداها لحجرة الفرعون الإسرائيلي!.
وبظل إفتقادنا للتحليل الواقعي نتيجة تشتته بالإنتماءات تارة وبالعنصرية والطائفية تارة أخرى
نرى لزاماً على الكل الخروج من قصور العاج وخلع الثياب المنسوجة من هذا الطرف أو ذاك عندما يصل الأمر لتحليل التحركات والأزمات السياسية،
لذا نرى في هذا الصراع مايلي:
1_ ستعمد أمريكا على تهيئة الحلول اللازمة لتقليل خسائرها في حالة إستخدام الحل العسكري، وهذا سيتأتى بطبيعة الحال من الإعتماد على الضغط الإقتصادي وتهيئة الأرضية المناسبة من الداخل الإيراني لخلخة النظام و إضعاف أذرعه في الخارج، وهذا ما لا يمكن تحقيقه خلال المدة القريبة.
2_ إذ مانجحت في ذلك فستعمد بعدها على ضرب إيران على المدى المتوسط على أكثر ما نراه من تقديرات، على أن تسدد لكمة (إقتصادية أو سياسية) أن صح وصفها خلال هذه المدة فهي لن تسمح بمرور ماحدث مؤخراً مرور الكرام فمن شأن ذلك أن يهز عرشها العالمي.
3_ الأخذ بنظر الإعتبار مسألة الحلفاء والتي من شأنها تعزيز النقطة الثانية، فالخليج لا يمكن له أن يستمر في در الأموال إذ ما إستمرت أمريكا هكذا، مالم يبقى الخليج متمسكاً بدور البقرة المعطاء حتى بدون إنتظار الحشائش وهو غير مستبعد بالنسبة لهذه العقلية.
4_ طبيعة المستشارين المحيطين بترامب وعلى رأسهم بولتن وبما يمتلكه من حقد يدفع به دائماً للحث على تقديم الحل العسكري على بقية الحلول الدبلوماسية والإقتصادية، ولنا في غزو العراق عبرة فقد كان من المروجين لها ولا يزال يعتبرها خطوة ناجحة.
5_ أما التراجع الأمريكي الأخير في التصريحات وغيرها يدلل على الأتي:
أ_ الإعتراف بعدم إمكانية إنهيار إيران الآن
ب_ الرغبة في سحب مزيد من الأموال الخليجية
ج_ أسلوب من الأساليب النفسية التي تهدف لتمويه الداخل الإيراني والتلاعب به.
6_ إستكمالاً لـ (ج) من الممكن جداً ظهور معارضة من داخل النظام ذاته إذ ما نجحت أمريكا في هذا الأسلوب بل من الطبيعي أنها قد ظهرت الآن ولو مجرد نية مبيتة.
لكن من الممكن أن تتلفى إيران ذلك إذ مانجحت بالتالي:
1_ إنشاء تحالف وثيق وقوي مع دول أوراسيا، يكون قوامه الوحدة الإقتصادية و إستخدام عملة موحدة للتداول بعيداً عن الدولار وهو ما لا يصعب تحقيقه بظل تشابه الآيديولجيات بين هذه الدول.
2_ القيام بمعاهدات ثنائية أو تفاهمات مع فرنسا و المانيا اللتين تطمحان بالعودة لأمجادهم القومية و تخليص أوروبا من السطوة الأمريكية، وما مظاهرات السترات الصفراء الأخيرة إلا نية فرنسية للقبول إحتوتها أمريكا بسرعة!.
3_ ضرورة مراعاة المواطن الإيراني بدلاً من تحميله ثقل العقوبات الإقتصادية، وهذه هي النقطة الأهم فإذا ما عانى المواطن فهذا يعني أن النظام يعاني فيدور إنهياره وجوداً وعدماً مع خلخة وفقدان الأمن الإقتصادي له.
4_ أن النجاح في النقاط أعلاه سيجعل إيران في منائ عن أي ضربة أمريكية حاسمة (التركيز على حاسمة لتمييزها عن ماسواها من مفردات)، فواقعاً لا يمكن لهذه الأخيرة التضحية بخسائر كثيرة أمام دولة قوية، ولا يمكن إستمرار هذه القوة دون الأخذ بنظر الإعتبار هذه الحلول وغيرها.
في الختام يبقى كل شيء وارد فما بين سلطة الواقع المتغير على الأرض ونجاعة الحلول الأمريكية في إحتوائه تختصر جملة (كذب الجميع ولو صدقوا ) الوضع برمته…