-اربطيه تمام!
يؤكد على زوجته، وبريق يلمع في عينيه.
-حاضر، لن يطير؟!
وأخذت تنظر إلى زوجها إذا كان يراقب جيدا يديها اللتين توثقان الحبل.
-يكفي.. هيا إلى النوم. لازم نقوم من بدري معنا عمل كثير.
خاطب أطفاله المستغرقين في الاحتفال.
-سأذبحه بنفسي.
قال لزوجته باعتداد.
-متى يجيء الصباح!
حدث نفسه، ثم أمسك بكتف ولده الأكبر في زهو:
-مع الفجر تذهب إلى جارنا صالح الحاج، وتقول له الوالد يسلم عليك ويقول لك معه لحمة.
ثم انتقلت يده إلى رأس أوسطهم:
-وأنت تذهب إلى جارنا عبده الأعمش وعمتك فاطمة، وتقول لهم أبي ترك لكم حصتكم من الكبش.
لم تجد محاولات أطفاله نفعا ليسمح لهم بالبقاء بعض الوقت قرب الكبش، فغادروا إلى فرشهم منهم من يضرب الأرض، ومنهم من يتأفف، ومنهم من يغمغم.
***
حين خلا سعيد بزوجته قال لها وذلك البريق لم يفارق عينيه:
-هل تصدقين يا سلمى أنه كان أسمن وأحلى وأغلى كبش في السوق..
اكتفت بالنظر إليه ولم ترد فيما كان يواصل حديثه:
-الكل غاروا مني حين اشتريته..
-تمام!
ردت ولكن بضجر.
-تدرين من كان هناك؟
-من كان هناك!
قالت بتذمر.
-الشيخ عبدالواسع ومجموعة من أهل قريتنا، وتفاجأ الشيخ حين رآني وأنا أشتري الكبش، وقال لي عبداللطيف الطويل بتكبر – ومط شفتيه مقلدا له -: لا تكلف نفسك يا سعيد نحن نعطيك من ذبائحنا وخلي هذا المبلغ ينفعك، وجاءني رجل غريب وقال لي: مسكين يا كبش، وضحك ضحكة عالية، أما نجمي خادم الوجيه فقال لي: سعيد يشتري كبش العيد!..
وهنا قاطعته زوجته وقد زاد تذمرها:
-يا رجل أوجعت رأسي، يكفي، المهم صار لدينا عيد وتعلم كم تعذبنا حتى قدرنا نشتريه.
وانتفض سعيد فجأة كأن عقربا لسعته:
-أسمع ضجة عند الكبش!
قال لزوجته التي رآها غير مكترثة، وهنا ارتفع ثغاء الكبش بشكل حاد.
-الكبش! تسمعينه؟
عاد يقول لها. فزفرت زفرة طويلة:
-ستذبحني بهذا الكبش الذي غطى على سمعك وبصرك، ومدت بيدها أمام عينيه، وقالت:
-يعني للآن لم تلاحظ؟!
فتوقف عن الاسترسال في الحديث والقلق بعد أن أحس بضيق زوجته، والتفت إليها قائلا:
-الحناء حلو عليك!
فتبسمت وأخفضت بصرها وأخذت تمسح كل يد بالأخرى، ثم قالت في خفر:
-صحيح. أخذت باقي المبلغ حق الكبش وذهبت للمنقشة، تنقشت كثير.
فأخذ يبدي لها إعجابه ثم راح يقترب منها؛ ومرت لحظات طغى بعدها صوت سرير يهتز على ثغاء الكبش المرتفع.
***
كانت السماء تتمخض لولادة شمس يوم جديد، حين اتجه سعيد وزوجته إلى حيث تركوا الكبش واستطاع الأب أن يلمح رؤوس أطفاله يراقبونهما من وراء ستار غرفتهم، فابتسم وأومأ لهم أن يأتوا قائلا:
-أكيد لم تتركوا الكبش يرتاح طول الليل.
وسارعوا جميعا لبلوغ مكانه، وما إن فتح الباب حتى تفاجأوا بذلك المشهد الذي شخصت له أبصارهم.
علت بعده أصوات الأطفال بالبكاء، وانكسر قلب الأم واحتقنت عيناها بالدموع وأخذت تحاول تهدئة أطفالها وزوجها الذي التفت إليها بوجه قرأت فيه القهر الشديد، فسارعت تقول له:
-والله ربطته تمام.