إنّني مهوسةٌ بجمعِ الكتُبِ النّادرةِ القديمة، وكأنني أسافر نحوّ العالم عّبرِها، بحثاً عنْ ثغرات مّخفية ذات شيفرات و ألغاز
لعليِّ أستطيع بعدها التأقلمّ مّع هذا المّجتمّع الفكري المليء بالعبودية ، والقيود. كنتُ أفتش بين الصفحات العتيقة العائمّة
أجمّع مّا أستطيع منْ الخيال، ربّما منْ أجل رواية أو حتى منْ أجل الهروب منْ واقعي إلى حلمٍ أفضل ، كنتُ أشمُّ رائحة الأوراقٍ الصفراء المعجونة كالنرجس تارةً والزنبق تارةً أخرى ،..كم يضحكون على هذا التشبيه وكأنني أتحدثُ عن قصة أسطورية ساخرة، حلمتُ بارتشاف كوب منْ القهوة الساخنة مع أحد أبطال الروايات مثل (لانغدون المعلم الفيزيائي الباحث في تحليل الرموز وفك الشيفرات في تلك الجريمة الشيطانية المروعة المليئة بالألغاز في رحلةٍ وسط بوسطن الشهيرة)
مثل العشاق أتخيل (روبرت لانغدون) دائمًا في راحتي و تحت شجرة الزيزفون، وسراديب مقابر أرضية سرية، يتبعها قنابل موقوتة، وكأنها تلاحقني فعلاً عندما أغمض عينيَّ وأحبسُ أنفاسي في تلك المغامرة الشيّقة… هل صادفَ أن أحب أحدكم أحد أبطال الروايات مثلي ؟؟
كنتُ أحلق بنفسي في عالمٍ حرّ دون قيود دون حواجز وتذكرات سفر أتنقل مثل الفراشات الملونة بذكاء وحكمة..ست وأربعون دقيقة مضت على وقتي هذا بين صفحتين فقط وكأنها أوردة متشابكة بيدي لا تريد الابتعاد عنها، وكم استوقفتني تلك الصفحة التي راح فيها لانغدون يعبر تلك الطائرة العجيبة ، التي كانت تحتوي على جثّة معلّمٍ فيزيائي خطير وكأن الأحرف تعانقني وتعصرني نحوها حتى نصبح واحداً لا فراغ بيننا.
وأما هذه المكتبات القديمة المملوءة بالغبار الكثيف والمبنية بتلك الأعمدة والجدران فقد أصبحت كخريطة كنز ممحية ليس بقدر أحد أنّ يراها والعثور عليها، وقلب يخفق بسرعةٍ ويداي تتخدّر عندما يقع بصري بذهول شديد على إحدى الكتب ذات العناوين الغريبة المشوقة يا إلهي كم أعشق تلك اللحظة، أفتح الصفحات الأولى لأقرأ بمنتهى الهدوء الكلمات المرسلة كمقدمة أو إهداء، أحملهُ بشوقٍ و امتنان كطفل مولود جديد إلى حضن أمه وأضعه في مكتبتي السّرمدية.