ضحك يشبه البكاء/بقلممحمد المغيني

للبكاء وجه واحد لا ثاني له، لكن للضحك وجهان وقد يوصف بالأضداد، فهو مرة يكون ضحكاً كاسمه، وأحياناً أخرى يكون الضحك أقرب للبكاء منه للضحك. حتى لون الدموع ومذاقها يختلف بين دموع الضحك الحقيقي ودموع البكاء الذي يشابه الضحك.

شاهدت قبل أشهر مثل ذلك الضحك المعجون بحرقة البكاء على وجه رجل شائب. كان يقف على باب إحدى البقالات ويقلب بكفيه بعض الأوراق النقدية بعد أن ابتاع من صاحب البقالة علبة سجائر وأنقد بائعها ورقة نقدية من فئة الألف الريال، ليعيد له صاحب البقالة علبة السجائر وفوقها ورقتين من فئة الألف وبضع وريقات من فئات أخرى.

وقف الرجل يقلب بين يديه علبة السجائر والمبلغ الذي أعاده له البائع. في البداية كانت على وجهه علامة استغراب وتعجب، ولكن سريعاً ما أدرك حقيقة الوضع وتحولت دهشته وتعجبه إلى ابتسامة خفيفة وساخرة معاً، وسريعاً ما تحولت تلك الابتسامة إلى قهقهة وضحك بصوت عالٍ.

تدخل صاحب البقالة لتوضيح الأمر بقوله:
“إن ما دفعته يا حاج كان بالريال القديم وما أعدته لك هو بالريال الجديد.”

لم يكن الرجل بحاجة للتوضيح فهو يعرف ذلك، ولم يكن هذا هو السبب الحقيقي لضحكه أو بالأصح لبكائه. فقد رد على البائع بقوله:

“لقد عشت من عمري أكثر من خمسين سنة في بلدان الاغتراب. في هذه السنوات الخمسين، تنقلت بين عدة دول عربية وغير عربية ولم أجد أو حتى سمعت بدولة واحدة تصنف عملتها بالقديمة والجديدة. الدولار الأمريكي يا ولدي عمره مئات السنين ولم يحدث أن تفاوتت قيمته في ولاية من الواحد والخمسين ولاية، وهو أيضاً العملة التي تتعامل بها كل دول العالم وظلت قيمته موحدة في كل هذه الدول من أيام جورج واشنطن وحتى اليوم، لم أسمع بدولار قديم وآخر جديد.

فرنسا هي الأخرى يصح القول عنها بالجمهورية الأولى والجمهورية الثانية، ولكن الفرنك عملتها الأصلية بقي هو الفرنك مع الأولى والثانية. الوحيدين نحن في جمهورية واق الواق بين كل دول العالم من تفردنا بهذه الخاصية.

لقد كانت لنا دولتان، ولكل دولة عملتها الخاصة بما كان يسمى عملة الشمال الريال وعملة الجنوب الدينار. لنتوحد بعدها ونوحد العملة.

أليس من المضحك المبكي أن تحمل كلتا العملتين القديمة والجديدة اسم الجمهورية اليمنية وإصدار البنك المركزي اليمني، ومع ذلك لها قيمتان مختلفتان وتوصف إحداهما بالأصلية والأخرى بالمزيفة؟ في واقع الأمر، لما هو حاصل ارتداد وردة عن الوحدة المباركة، والبداية من العملة تمهيداً لما بعدها.”

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!