لآفاق حرة
سأحاولُ يا أمي سأحاول
خاطرة صغيرة
نجيب كيالي
بوجهها الأبيض، وصوتِها المعطَّرِ بالفل كانت أمي توصيني بأن أقلل حجمَ حزني: يا ا بني الله يرضى عليك، لا تزعل كتير، وكنتُ أقول: سأحاولُ يا أمي.. سأحاول، لكنني الآنَ أتلفَّتُ حولي، وأبعث إليها هذه الرسالة وهي في مرقدها الأخير:
كيف أكونُ أقلَّ حزناً يا أمي؟! وصباح مدينتنا استأجروا عصافيرَهُ لبلدٍ آخر، فصارت صباحاتنا بلا تغريد!
كيف أكونُ أقلَّ حزناً؟! والمُخْبِرون في كل زاويةٍ من حَيِّنا، يخافُ الهواءُ منهم، فيصل إلى أنوفنا ولا يصل! والشمسُ تتعثر كتلميذ، فلم تعد تعرف كيف تضيء!
كيف أكونُ أقلَّ حزناً؟! وحربٌ لنا قبل الظهيرة، وأخرى بعد الظهيرة، وثالثة بدلَ الشاي، ورابعة بدلَ الفاكهة!
كيف أكونُ أقلَّ حزناً؟! وغيمتان تشاجرتا في سمائنا، إحداهما شيعية، والأخرى سُنِّية، وبسبب الشجار توقف المطر!
كيف أكونُ أقلَّ حزناً؟! ولم يعد الحليب أبيض، ولا زهرةُ الياسمين بيضاء، ولا كفنُ الموتى أبيض!
كيف أكونُ أقلَّ حزناً؟! والسادةُ راسخون في أماكنهم، يزنون مؤخراتِهم كلَّ يوم ليبشرونا بزيادة اللحم والشحم على أوراكهم!
كيف أكونُ أقلَّ حزناً؟! وفي طريق البيت مرَّ بي ثلاثةُ أطفال يشحذون، كبيرُهم مقطوعُ الساق بسبب الحرب، وصغيرُهم محروقُ الوجه!
كيف أكونُ أقلَّ حزناً؟! والعنابرُ خاليةٌ من الطحين، والخابيةُ خاليةٌ من الماء، وجيبُ الوقت عامرٌ بالكوارث!
كيف أكونُ أقلَّ حزناً؟! وسُكَّر وجهكِ غائبٌ يا أماه؟! لم يذب في كأس نهاري ليذهبَ بمرارته!
كيف تكون حرائقي أقلّ؟!
ودخاني أقلّ
وكيف لا تسقط عينايَ في نوبة دمع!
*
٢٠٢٣/٨/٣١