نضطّر للانتظار لوقت طويل ، يُقارب أحيانا النصف ساعة أو أكثر … نظّل في أماكننا واقفين لا نتحرك كأننا تماثيل رخامية ، ونكتم أصواتنا …
ننتظرُ أن تحط الفراشات فوق هذه الوردة الحمراء، أو تلك الصفراء، أو حتى فوق الشوك!..
كان الركض وراء الفراشات أجمل الهوايات، وأمتع الألعاب إلى قلوبنا؛ نفتتحُ به العطلة الربيعية…
كانت عطلة الشتاء تُخصص للعب بالكريات الزجاجية الصغيرة، أما إذا هطلت الثلوج بوفرة فيكون ذلك مبهجا أكثر، فنستمتع بالتزحلق وتشكيل رجل الثلج!..
وعطلة الصيف الطويلة فنخصّهاّ بالركض وسط الحقول الصفراء، نتفرج على الفلاحين يحصدون غلّاتهم… آلات الحصاد العملاقة… تكديس التٍّبن…الأغنام تملأ المكان .. وأحيانا يحل علينا البدو الرُحل بخيامهم وجمالهم!.. أما المحظوظون فيختفون فجأة ولا يظهرون إلا بعد شهر أو شهرين، يحكون عن البحر الأزرق و الرمال الذهبية، ونحكى لهم نحن أيضا بفخر زائف عن الحصاد والنوق والحيران الصغيرة..
أما في الربيع فتتفتح أشجار اللوزّ، وتكثر الورود المتنوعة الألوان، وتنشطُ الفراشات والدبابير!..
يا للروعة! الفراشات الجميلة !… تتحولُ من وردة إلى أخرى، برشاقة، تبحث عن وردة، تتوقف عند أخرى، تستريح فوق تلك…
الوردة، الفراشة والنحلة هي رموز الربيع الثلاثة، التي لا نعرف غيرها، حينما نكتبُ موضوعا إنشائيا عن فصل الربيع !…
لماذا نختار الركض وراء الفراشات ؟ فلأنها جميلة ومسالمة فلا إبر في مؤخرتها، ولا يمكن للسعتها أن تُبكينا…
ورغم أنها مسالمة إلا أنها يقظّة، متنبهّة وسريعة، ليس من السهل الإمساك بها، إذ في ثلاثة أيام يمكن أن نمسك بواحدة…
نُطاردها بقطعة قماش أو بقطعة كرتون، لكننا لم نكن نستحسنُ ذلك، لأننا بمجرد أن نهوى عليها بقطعة القماش فإنها تسقطُ…ميتة بعد أن يتمزّق جناحاها… ونحن لا نريدُ ذلك !
لما تحلق على ارتفاع، نجري وراءها صارخين : ـــ فراشة …. فراشة…. فراشة…
لكن بمجرد أن تستقرَ فوق الوردة، نتجمدُ في أماكننا، ولا نتخاطبُ إلا بالإشارات، ولا نتحركُ إلا ببطيء… ولا نمدُ أيدينا إلا ببطيء … ولا نفتحُ أصابعنا إلا ببطيء… ولا نمسك الفراشة من أجنحتها إلا بحركة ثقيلة!…
نتسلّى بها للدقائق معدودة، ونستمتعُ بألوانها الزاهية ثم ما نلبثُ أن نحررها من بين أصابعنا فترفرف في السماء…
ونبدأ الركض من جديد … ونمسكُ أخرى وقد تكون الفراشة نفسها نلتقيها في مكان أخر …