بعيدًا عن تضاريس الدّخان / بقلم: صالح أحمد (كناعنة)

 

* كَيفَ حَدَثَ أن جَعلونا شُهودًا على انطِفاءِ النُّجومِ، ولم نَنتَبِه إلى أنّنا حُجِبنا عَنها خَلفَ تَضَخُّماتِ الحُروفِ في لُغةِ السّياسَةِ؛ تلكَ التي جَعَلَتنا نُصدِّقُ أنَّ أكبَرَ صانِعي سِلاحِ الدّمار؛ يُمكِنُ أن يكونَ داعِيَةً للسّلام؟!

 

* لم.. ولن يَتَغيّرَ أولئكَ الذين أصابَهُم هَذَيانُ الحُروب؛ حتى نَكُفَّ عنِ التّصديقِ بأنَّ حَضارةَ الشّوارعِ يُمكِنُ أن تَهَبَنا شَيئًا غيرَ الضّياعِ، ونحنُ ذاهِلونَ في غَيبَتِنا خَلفَ سَرابِهم، والسّاعاتُ تَفِرُّ منّا، والأحلامُ تَختَفي في لَيلِ الجَلّادين، والوُعودُ لم تَكُن يومًا سوى حَطَبٍ يَتوقُ إلى شَرارَةٍ.

 

*حين يَتَشَظّى الأفقُ، ويتصدّعُ سقفَ التّوَقُّعاتِ، ويُطِلُّ الواقِعُ من خِلالِ مِرآتِهِ المُتَصَدِّعَة، لن يَرمينا الطّريقُ الذي سَلكنا خَلفَ المارِقينَ والمنظِّرينَ والمتسَلّطينَ… إلا بِتَعَفُّناتِ خِطابِهم، وقد غَفِلنا زَمَنًا عَن أنَّهم ما مَنَحونا بافتِراءاتِهم سوى ما يُنَمي لَدينا مَوهِبَةِ بِناءِ الأضرِحَةِ.

 

* حين تَرَكْنا صَوتَنا يتحَنّطُ في مَدافِنِ الماضي المتَصَحِّر فينا؛ أصبَحَت صورَتُنا أكثرَ غموضًا من ملامِحِ الميِّت، ولم نَمنَح أنفسَنا سِوى مَشاعِرِ اليُتمِ تَتَخَمَّرُ على شَرَفِ مَواسِمِنا الشَّحيحَةِ، وما زلنا نتوسّلُ وقاحَةَ العُذرِ المتَجَعّدِ في ظِلِّ نِظامِ الأسلِحَةِ الجّافَّة بَحثًا عن نَهارٍ يَلتَفِتُ إلى جِراحِنا الهامِسَة..

 

* تَحتَ هَولِ الرّهبَةِ؛ لن نَفهَمَ مَوعِظةَ الموتِ الوَحيدَةَ، وحينَ نَألَفُ زَحفَ الحُطامِ فينا؛ نكونُ قد أنجزَنا قانونَ تَطَحْلُبِنا بأنفُسِنا، ولا تَعودُ نَهاراتُنا سِوى مَنافِذَ للهاوِيَة، ويُصبِحُ التِصاقُنا بالمجهولِ مِفتاحَ فراغاتِنا اللامُتناهِيَةِ؛ حَيثُ تَمنحُ مَواسِمُ الضّبابِ أحلامَنا فَضيلةَ التّشَرنُق..

 

* لن نَعثُرَ على وجهِ إنسانِنا على صَفحَةِ أفقٍ عَكَّرناهُ باختلافِ أصواتِنا، ولوَّثناهُ باغترابِ أنفاسِنا، وشوّهناهُ بألوانِ أنانيِّاتِنا وعنجَهِيّاتِنا، وتَركناهُ مُعَلقّا على شَمّاعاتِ أعذارِنا الكالِحَةِ، ومُبَرِّراتِنا المسَرطِنَة…

About محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!